جسر – علي الأحمد
يؤكد التاريخ السياسي العالمي أن الاستخفاف بالمكونات الصغيرة داخل المجتمعات أو تجاهلها قد يشكل ذريعة للتدخل الأجنبي، وربما مقدمة للاحتلالات أو تقسيم الدول ورسم حدود جديدة. منذ سقوط النظام الأسدي في سوريا، أصبح موضوع الأقليات وحقوق المرأة جزءاً مهماً من تعامل المجتمع الدولي مع القيادة الجديدة في دمشق.
هذا التعامل لقي ترحيباً من العديد من مكونات المجتمع السوري، فيما اعتبره البعض إملاءات تمس سيادة سوريا الجديدة وتشكك في قدرة السوريين على التفاهم وبناء دولة متقدمة.
حقوق الإنسان والأقليات
في تصريح لصحيفة “جسر”، أوضح الخبير السياسي ميلاد الحسين أن “مبادئ حقوق الإنسان تحظر التمييز وتشدد على المساواة بين جميع الأشخاص.. الأقليات تتمتع بحقوق محددة بموجب الإطار الدولي لحقوق الإنسان وبعض القوانين الإقليمية والوطنية”.
وأشار إلى أن “المجتمع السوري، بتكوينه المعقد الذي يضم العديد من الطوائف والديانات والقوميات، لا يتحمل تهميش أي مكون”، مؤكداً “ضرورة تشكيل سلطة توافقية تضم كافة الأطياف السورية وفق آلية حذرة”.
وأوضح الحسين أن سوريا تعد من الدول ذات الديمقراطيات الفتية وغير المستقرة، وأن الانتقال للسلطة بأسلوب “التكنوقراط” ضروري لبناء الثقة الشعبية، مضيفاً أن “تحقيق العدالة يجب أن يتم عبر جهات قانونية ودستورية، بعيداً عن شريعة الغاب والانتقام”، مشيراً إلى “أهمية الانتقال من النظام الأمني البوليسي إلى نظام مؤسساتي يكون جزءاً من المجتمع الدولي”,
الوضع في مناطق العلويين
بينما تسعى الإدارة الجديدة لوضع أسس واقعية على الأرض لدستور مكتوب للدولة يرضي جميع الأطراف، تسود حالة من القلق والتوتر في مناطق الأقليات الدينية والطائفية، وخصوصاً في مناطق العلويين بالساحل وريف حمص، حيث سُجّلت انتهاكات عدة هناك، وسط مطالبات شعبية بإخراج المقاتلين الأجانب من المنطقة، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. ورغم أن هذه الخروقات لا تزال محدودة، إلا أنها أثارت مخاوف من اندلاع صراع طائفي.
وأكدت عدة مصادر أهلية بريف اللاذقية لصحيفة “جسر” أن عمليات التمشيط التي نفذتها إدارة العمليات العسكرية لملاحقة فلول النظام كانت دقيقة وحققت نتائج جيدة، بل وساهم بها بعض العلويين في مناطق عدة بالساحل السوري، ولكن في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الانتهاكات المتكررة بمناطق انتشار الطائفة العلوية.
ولفتت إلى أن التجاوزات والانتهاكات سببها الأول هو عدم كفاءة وانسجام الأجهزة الأمنية الحديثة، والتي تتمثل في عدم التزام بعض الأفراد العسكريين بالتوجه العام للإدارة السورية الجديدة، وعدم وجود آلية واضحة لتقديم شكاوى ضدهم ومحاسبتهم.
“م. ع” شاب من الطائفة العلوية في حمص، وصف أيام حكم الأسد بأنها مظلمة، وقال لصحيفة “جسر”: “كنا فقراء قبل حكم الأسد وظلينا فقراء بعد هروبه”.
وأضاف: “لم نكن يوماً داعمين لنظام بشار الأسد فنحن عانينا ما عانيناه من الفقر وانعدام الأمن، ولكن سياسة الأسد كانت قائمة على الاستعمار فقط، فهو كان يستغل حاجتنا وفقرنا ولا يسمح لنا بالتطور، فما كان لنا إلا أن نلتحق بالوظيفة سواء كانت مدنية أم عسكرية.. وأكبر لغط متداول لدى البعض ممن يمارسون القتل والتنكيل بحق العلويين هو عدم تمييزهم بين العلوي والأسدي، ولا يدركون أن العلوي كابد أيضاً مثل بقية الشعب السوري، الفقر والخوف والسجن، وغير مسموح له بأي شكل من أشكال تجاوز الدور المرسوم له”.
ملاحقة الفلول تحت عين القانون
لا تزال آلية ملاحقة فلول النظام والمحاكمات تكتنفها الكثير من الضبابية والمخاوف، مما يدفع البعض إلى القيام بعمليات قتل ميدانية تحت ذريعة “استيفاء الحق بالذات”. هذه الممارسات لا تقتصر تداعياتها على نسف القوانين ومعانيها ومضامينها، وفقدان الأرواح دون وجه حق، بل تزيد من حالة الرعب والاحتقان بين مكونات الشعب السوري، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل انتهاك سيتضاعف تأثيره عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ظل كل هذه التحديات والمخاوف، يتفق الكثير من السوريين من مختلف المكونات والتوجهات، على الحاجة معالجة إرث نظام الأسد بسرعة، وإعادة صياغة وترسيخ مفهوم العدالة والمحاسبة في إطار قانوني ومؤسساتي محايد يحظى بقبول جميع الأطراف، فبدون منظومة عدالة واضحة ونزيهة، ستظل النزاعات الفردية والأعمال الانتقامية تهدد بنسف الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة البناء.
وقبل ذلك لا بد من تكريس خطاب وطني شامل ينبذ الانقسام والطائفية بكل أشكالها، ويُعيد إحياء الثقة بين أبناء البلد، ويؤسس لدولة مدنية تضمن حقوق جميع أبنائها من مختلف المكونات والتوجهات.