العلاقات السورية – العراقية بين محاولات بناء الثقة وإرث الارتياب

شارك

جسر – عبد الله الحمد

مع إعلان وزير الثقافة العراقي عن تسليمه الرئيس السوري أحمد الشرع دعوة رسمية لحضور القمة العربية في بغداد، تبرز خصوصية العلاقات السورية العراقية، لما اكتنفها من غموض وارتياب منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد.

وكانت قد أولت الإدارة الجديدة في سوريا، منذ تسلمها مقاليد السلطة، اهتماماً خاصاً بمجموعة “دول جوار سوريا”، والتي تشمل العراق ولبنان والأردن وتركيا، وهو ما عكسته اجتماعات العاصمة الأردنية عمان في التاسع من آذار الماضي التي أكدت أهمية التنسيق بين هذه الدول.

ويسعى الطرفان السوري والعراقي إلى تجاوز العوائق والمحددات السياسية عبر لقاءات متتالية وعلى مستويات مختلفة، بدءاً من زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي إلى دمشق لأول مرة، ثم لقاءات وزيري خارجية البلدين في عمان وبغداد، مروراً بلقاء الرئيس الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الدوحة، وانتهاءً بوصول رئيس جهاز الاستخبارات العراقي إلى دمشق مرة ثانية، برفقة مسؤولين من قيادة قوات الحدود بوزارة الداخلية ووزارتي النفط والتجارة وهيئة المنافذ الحدودية.

الدوحة.. انطلاقة التقارب بين دمشق وبغداد

لا تعكس دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية تطوراً جوهرياً في العلاقات بين البلدين، إذ يعد ذلك إجراءً بروتوكولياً بحتاً، لكن لقاء الشرع والسوداني في الدوحة، برعاية قطرية، يحمل دلالات أعمق وأكثر أهمية.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي عبده زمام في حديث خاص لـ”جسر” أن لقاء الدوحة ركز أكثر على توجيه رسائل للداخل العراقي، بهدف تهيئة الرأي العام لفتح صفحة جديدة مع دمشق، في ظل استمرار التحفظات السياسية والشعبية حيال الانفتاح الكامل على سوريا.

وأشار إلى أن “هذه التحفظات نابعة من خلفيات جهادية مرتبطة بالإدارة السورية الجديدة، إضافةً إلى الحسابات الطائفية”.

من جانبه، أكد الصحفي العراقي الدكتور إبراهيم الدهش أن “هناك ضغوطاً سياسية داخلية في العراق لعدم تطوير العلاقات مع دمشق، بسبب الثقل الإيراني في المشهد السياسي العراقي، فالفريق الموالي لإيران يعتبر طهران الضمانة لبقاءه ضمن القوى الفاعلة”.

مكاسب اقتصادية هامة

ترى الصحفية الاقتصادية كوثر صالح أن “أبرز احتياجات سوريا من العراق تتعلق بتأمين الطاقة والوقود، حيث يتيح القرب الجغرافي تجاوز العقوبات أو الالتفاف عليها”، مضيفة أن “إعادة تفعيل خطوط نقل الطاقة من العراق عبر سوريا إلى الخارج، بعد رفع العقوبات الأوروبية عن دمشق، يعد تحولاً هاماً في الاقتصاد العراقي ومصدراً مهماً لدخل الخزينة العراقية المنهكة”.

وتشير دراسات إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا يقدّر بمليار دولار سنوياً، يتوزع بين مواد زراعية وصناعية وبلاستيكية، ورغم أن هذا الرقم يبدو عادياً مقارنة بالموازنة العراقية السنوية البالغة 153 مليار دولار، إلا أنه يشكل نحو 20% من حجم الناتج المحلي السوري، الذي تقدر موازنته الحالية بنحو 5 مليارات دولار، مما يجعله رقماً مؤثراً بالنسبة للاقتصاد السوري.

ملف التنسيق الأمني والاستخباراتي

يُعتبر ملف التنسيق الأمني من أبرز النقاط في العلاقات بين دمشق وبغداد، حيث نال حصة الأسد من مباحثات الرئيس الشرع مع رئيس الوزراء السوداني في قطر.

ويتصدر هذا الملف خطر تنظيم “داعش”، الذي عاد ليشهد نشاطاً متزايداً في منطقة البادية على الحدود السورية العراقية، مما يشكل تهديداً مباشراً لكلا البلدين، في ظل هشاشة السيطرة الأمنية في بعض المناطق، وانتشار ظاهرة التهريب.

وفي هذا السياق، أكد الإعلامي والباحث السياسي الدكتور أحمد الكناني أن “التحديات الأمنية بين سوريا والعراق لا تقتصر على الحدود الجغرافية فقط، بل تمتد إلى ملفات الإرهاب والميليشيات العابرة للحدود والممولين لها، مما يفرض ضرورة ملحة لتعزيز التنسيق الاستخباراتي والأمني بين البلدين”.

خلافات داخلية عراقية تلوح في الأفق

مع اقتراب موعد القمة العربية التي ستستضيفها بغداد، من المتوقع تصاعد الخلافات داخل الأوساط السياسية العراقية بشأن عودة العلاقات مع سوريا.

ويرتفع صوت الرفض لدعوة الحكومة العراقية للقيادة السورية الجديدة لحضور القمة، خصوصاً من قبل القوى السياسية المتحالفة مع إيران، بما في ذلك رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، المعروف بارتباطه الوثيق بطهران.

شارك