جسر – نهى قنص
تعيش السوق العقارية في سوريا حالة من الجمود غير المسبوق، بالتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، لا يستند إلى معايير واضحة أو ضوابط قانونية، وبينما تغيب حركة البيع والشراء بشكل شبه كامل، تتفاقم أزمة السكن نتيجة غياب الرقابة على أسعار الإيجارات، ما يثقل كاهل المواطنين ويضعف قدرتهم على تأمين السكن.
في العاصمة دمشق، تختلف الأسعار بين حي وآخر بشكل كبير، حيث تشهد المناطق المنظمة أو ما يعرف بـ”الأحياء الراقية” ارتفاعاً جنونياً في أسعار الشقق سواء للبيع أو الإيجار، ويتحدد السعر في كثير من الأحيان بناءً على مزاجية المالك وظروف العرض والطلب، دون الاستناد إلى معايير ثابتة.
أبو يوسف، صاحب مكتب بيع وتأجير الشقق العقارية وسط دمشق، أشار إلى أن حركة البيع والشراء شبه متوقفة منذ سنوات، وأن الأسعار المطروحة غير منطقية بالمقارنة مع القدرة الشرائية الحالية، وأوضح أن “عدد العقارات المعروضة للبيع أقل بكثير من الطلب، ما يزيد من تفاقم الوضع”.
من جهته، قال أبو أنس، صاحب مكتب عقاري في منطقة الصناعة بدمشق، إن “توقف الدوائر الحكومية المرتبطة بتسجيل وتثبيت الملكيات، مثل مديرية المصالح العقارية والسجل العام للإسكان، كان له أثر كبير في تعطل السوق”، وأشار إلى أن “العقارات لا تُباع أو تُشترى إلا نادراً، وغالباً ما تعتمد على الثقة الشخصية بين البائع والمشتري”.
وفي منطقة الزاهرة، أكد المتعهد محمد قاسم أن بعض عمليات البيع التي تتم في الوقت الراهن، تعتمد على وعود من الوسطاء بإتمام عملية نقل الملكية في المستقبل، عندما تعود المؤسسات الرسمية إلى العمل، مشيراً إلى أن فرق الأسعار الظاهر اليوم ليس كبيراً فعلياً، معتبراً أن القيمة الحقيقية للإيجارات لم تتغير، بل تأثرت فقط بانهيار قيمة الليرة السورية.
وأوضح: “في عام 2010 كان آجار المنزل 25 ألف ليرة، وكان الدولار يساوي 500 ليرة، أما اليوم فالإيجار مليونان وما يعادله 200 دولار، أي أن القيمة الفعلية نفسها تقريباً”.
أما في منطقة المزة 86، فقال محمد، صاحب “مكتب الهدى”، إن عمليات البيع أسهل نسبياً في مناطق المخالفات، لأنها لا تحتاج إلى “طابو” بل يكفي فيها حكم محكمة، لافتاً إلى أن الإيجارات تبدأ في هذه المناطق من مليون ليرة وتصل إلى 3 ملايين ليرة شهرياً.
بدوره، أكد فراس ملحم، وهو متعهد مختص بإنشاءات البناء، أن “أسعار العقارات في دمشق وضواحيها تسجل أرقاماً فلكية.. سعر شقة بمساحة 100 متر مربع في الضواحي يتراوح بين مليار و1.5 مليار ليرة، بينما تصل الأسعار في المناطق المنظمة وسط العاصمة إلى 3 مليارات ليرة”، وتتفاوت الأسعار أيضاً في الأحياء الشعبية بحسب الإكساء والموقع والإطلالة والخدمات، لكنها في مجملها تتجاوز حاجز المليار ليرة سورية.
السيدة رهف عبد الرحمن من سكان العاصمة، أعربت عن استيائها من غياب أي ضوابط في تحديد الإيجارات، مؤكدة أن الأسعار الحالية لا تتناسب مع الرواتب ولا مع الظروف المعيشية الصعبة. وقالت: “ليس من المنطقي أن يكون إيجار منزل في حي شعبي أعلى بثلاث مرات من راتب الموظف”.
وفي السياق ذاته، قال أبو أحمد، أحد سكان دمشق، إنه لم يعد قادراً على دفع نصف إيجار المنزل، مشيراً إلى أن المالك يطالب بزيادة دورية في الإيجار، ما يجعله مهدداً بالإخلاء في أي لحظة.
أما مستقبل السوق العقارية، فيراه العاملون في هذا القطاع مرتبطاً بحركة الاستثمار ومشاريع إعادة الإعمار.
يجمع أصحاب المكاتب العقارية الذين التقتهم “جسر” على أن السوق لن يتعافى ما لم تُذلّل العقبات المتعلقة بالبنية التحتية، والتسهيلات البنكية، والمواصلات، كما شددوا على ضرورة سن قوانين جديدة لضبط التملك، وإلغاء القوانين القديمة التي اعتبروها مجحفة بحق السوريين خلال السنوات الماضية.