جسر – (عبد الله الحمد)
مع حاجة سوريا المتزايدة للنفط والغاز، يبرز إلى السطح من جديد ملف تأمين مستوى مستقر من أمن الطاقة. هذا الملف ذو البعد الإستراتيجي يستدعي إيجاد حلول سريعة وعملية، خاصة أن النظام البائد ترك خلفه إرثاً ثقيلاً تمثل في دولة مدمرة ومنهارة من حيث البنية التحتية، وتحتاج لسنوات لإعادة البناء على كافة الصعد.
نفط عراقي إلى سوريا
في ظل الانفتاح العربي والعالمي والإقليمي تجاه السلطة الجديدة بدمشق، والرفع الجزئي لبعض العقوبات في هذا الإطار، كشفت مصادر إعلامية أن العراق يعتزم إعادة تصدير النفط إلى سوريا قريباً، وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد سقوط النظام السوري.
وأضافت المصادر أن الحكومة العراقية ستستأنف تصدير النفط الخام إلى سوريا خلال الأيام المقبلة، وفق آلية جديدة أكثر تنظيماً ودقة مقارنة بما كان معمولاً به سابقاً.
الحكومة العراقية كانت قد أوقفت تصدير النفط الخام إلى سوريا منذ سقوط الأسد، بسبب الوضع السياسي والأمني في سوريا، ورغبتها في إعادة تقييم الاتفاقيات النفطية بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة.
الصحفي الاقتصادي همام طبلية أشار إلى أن الخطوة جاءت عقب تلقي إشارات من واشنطن وأنقرة لتنظيم ملف تصدير النفط إلى سوريا، باعتباره جزءاً من دعم الحكومة السورية الجديدة في تسيير شؤونها، موضحاً أن “الحاجة الكبيرة للطاقة في سوريا تشكل سوقاً مهماً وقريباً وغير مكلف بالنسبة للحكومة العراقية، إضافة لما ستحمله من تقاربات سياسية واقتصادية في المستقبل القريب”.
مقدرات النفط السورية
تقدر احتياطيات النفط السوري وفق آخر إحصائية لعام 2015 بنحو 2.5 مليار برميل. وفي فترة ما قبل الحرب عام 2011، بلغ متوسط إنتاج النفط 350 ألف برميل يومياً، حيث كانت سوريا تصدر 150 ألف برميل يومياً من النفط الخام، والباقي كان يوجه إلى مصافي حمص وبانياس التي تبلغ قدرتها الاستيعابية للتكرير 240 ألف برميل يومياً.
تحركات لتأمين الطاقة بعد السقوط
وصلت أول ناقلة نفط محملة بمادة الغاز المنزلي (يرجح أنها من دولة عربية) إلى ميناء بانياس على الساحل السوري بعد سقوط النظام السابق، ووفقاً لمصادر محلية، فإن الشركة السورية لنقل النفط ستعمل على تفريغ الناقلة فوراً.
ويرى مراقبون أن هذه خطوة بداية جيدة على طريق استثمار التحركات السياسية الإيجابية لتحقيق انعكاسات مباشرة على حياة المواطنين والأهالي.
الخبير الاقتصادي مجد حورية قال لـ”جسر” إنه “من المهم اليوم أمام الحكومة الجديدة أن تجد حلاً لمشكلة تأمين موارد الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء وضخ المياه، والدفع بالعملية الزراعية الصناعية والتجارية للأمام، ما سينعكس إيجاباً على المرود الاقتصادي وتأمين القطع الأجنبي من الصادرات”، كما نوه حورية إلى “وجود أعباء إضافية إذا حصل تدفق للسوريين العائدين من بلاد اللجوء، مما يرفع الحاجة أكثر فأكثر”.
وزير النفط السوري غياث دياب أكد مؤخراً أن قطاع النفط في سوريا يعاني بعد سقوط النظام السابق من عدة صعوبات وتحديات، تشكل عائقاً في تأمين المشتقات النفطية.
وأشار إلى أن “من أبرز التحديات وجود عدد من الآبار النفطية خارج إدارة الدولة السورية، وهو ما يزيد من معاناة الأهالي، إضافة إلى وجود العقوبات التي تمنع استيراد النفط”.
معوقات وتحديات
المهندس البتروكيميائي سليمان الأيهم بيّن أن “فترة الحرب أثرت بشكل كبير على استخراج النفط عامة، وحدث خلل كبير في تفاصيل العملية الإنتاجية بسبب تعرض الحفارات والحقول للتخريب، سواء نتيجة العمليات العسكرية، أو قلة الصيانة، أو عدم الخبرة في التعامل”.
وأشار إلى أن “محطات تكرير النفط (مصفاتي حمص وبانياس) متهالكة وقديمة وتحتاج إلى عدة صيانات وترميمات، مما أثر على قدراتها الإنتاجية التي تضاءلت بشكل كبير”.
ونقل موقع “الجزيرة نت” عن مراقبين ترجيحهم انتشار الإشعاعات النووية بشكل أكبر من السابق بسبب استخدام “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الطرق البدائية في استخراج النفط. هذا الوضع يضع البلاد أمام كارثة طبيعية واقتصادية واجتماعية تحيط بآبار النفط.
وبالتالي، حتى لو تمت السيطرة على كامل آبار النفط، فمن المتوقع ألا تتمكن الإدارة الجديدة من الاستفادة منها في الإنتاج والاستهلاك إلا بعد سنوات، نظراً لحاجة الآبار والمناطق المحيطة إلى تنظيف شامل.
خطط مستقبلية وتفاؤل
الإعلامية الاقتصادية كوثر صالح ترى أن “الحلول ممكنة رغم التحديات، مشيرة إلى أهمية التعاقد مع شركات خاصة لبناء منظومات للطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، مما يخفف من فاتورة النفط والغاز، ويشكل تنوعاً في مصادر الطاقة بدلًا من الاعتماد على المحطات الحرارية”.
كما أكدت صالح في حديثها لـ”جسر”، على “ضرورة استيراد المشتقات الجاهزة للاستهلاك بدلاً من النفط الخام لتخفيف الضغط على المصافي المتهالكة والحد من مصاريف الصيانة الدورية”.
تبقى مشكلة الطاقة التي خلفها النظام البائد من أعقد المشاكل التي تعيق كل مفاصل الحياة في سوريا. ومع ذلك، يظل الأمل حاضراً بالنسبة للسوريين في التغلب على التحديات مهما كان الثمن، لإيمانهم بقدرتهم على إعادة البناء والتطور بعد التخلص من النظام السابق.