الأطفال العمّال.. طبقة تائهة في سوريا الجديدة

شارك

جسر – هبة شوباش

نتيجة الفقر، والتهجير والتدمير خلال سنوات الحرب الصعبة، ظهرت في سوريا طبقة اجتماعية جديدة يصح أن نطلق عليها “الطبقة التائهة”، وهم الأطفال المشردون الذين يعانون الجوع، والفقر، والتشرد دون مأوى أو رعاية حكومية. وعلى مدار أربعة عشر عاماً، تفاقمت أوضاعهم دون تدخل فعّال، مما أدى إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال بشكل غير مسبوق، حيث أصبحوا يعملون في ظروف قاسية، مثل جمع القمامة والتسول والقيام بأعمال خطرة، ما جعلهم عرضة للاستغلال الجسدي والنفسي والجنسي.

إحصائيات صادمة

وفقاً لمنظمة العمل الدولية، يوجد أكثر من 250,000 طفل عامل في سوريا تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً، في حين تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن 2.4 مليون طفل غير قادرين على ارتياد المدارس، مما يحوّل عمالة الأطفال إلى جرح نازف. كما أكدت تقارير الأمم المتحدة أن الأطفال هم النسبة الأكبر من ضحايا الحرب السورية، مشددة على ضرورة توفير بيئة آمنة تضمن لهم حقوقهم الأساسية.

وبحسب ما أكدت الأمم المتحدة في وقت سابق، أن هؤلاء الأطفال يستحقون الأفضل ويستحقون الأمان والاستقرار، وشددت على مسؤولية الجميع لضمان حقوق الأطفال والدفاع عنهم وتوفير البيئة التي تمكنهم من النمو وتحقيق إمكانياتهم الكاملة.

واستطلعت صحيفة “جسر” بعض الحالات المؤلمة من الأطفال العاملين في سوريا:

عبد الرحمن الأعرج البالغ من العمر 13 عاماً، والذي يعمل في بيع الخبز، يقول: “جئنا إلى دمشق من دير الزور في بداية الأزمة، ولم نجد منزلاً يأوينا، فتركت المدرسة عندما كنت في التاسعة من عمري، وبدأت أشتري الخبز من الفرن وأبيعه للمارة. أقف لساعات طويلة في البرد القارس، وأتعرض للضرب والإهانات، لكني مضطر للعمل لإعالة أسرتي.. حلمي الوحيد أن أعيش طفولتي كباقي الأطفال، أن أذهب إلى المدرسة وأشعر بالدفء”.

جورج الحولي وعمره 11 عاماً وهو عامل “صحية” قال: “أعمل منذ ثلاث سنوات لأن عائلتي فقيرة جداً، ولم أستطع متابعة دراستي بسبب تكاليف الأدوات المدرسية. كنت أحلم بأن أصبح مهندساً وأصمم الأبنية، لكن الفقر أجبرني على ترك المدرسة والعمل في الصرف الصحي”.

عمالة الأطفال في القانون السوري

يعرّف القانون السوري عمالة الأطفال بأنها “العمل الذي يشكل عبئاً ثقيلاً على الطفل، ويهدد سلامته وصحته ورفاهيته، ويستغل ضعفه كبديل عن العمالة الرشيدة، مما يعيق تنميته وتعليمه”.

تحدث المشرف التربوي محمد حوجون لصحيفة “جسر” عن ضرورة اتخاذ خطوات جدية لمعالجة هذه الظاهرة، مؤكداً أن الحلول تشمل:

– تحديد الحد الأدنى لسن العمل والتعليم الإلزامي.
– رعاية الأطفال المجهولي الهوية والمشردين.
– توفير فرص عمل للأهالي لمنع اضطرارهم إلى تشغيل أطفالهم.
– توعية الأسر حول مخاطر تشغيل الأطفال.
– فرض عقوبات على من يستغل الأطفال في العمل، بعد توفير بيئة معيشية ملائمة لهم.

إن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا ليس مجرد أزمة اجتماعية، بل هو كارثة تهدد مستقبل جيل كامل، حيث يُحرم الأطفال من حقهم في التعليم، الأمان، والحياة الكريمة. ورغم كل المناشدات والتقارير الأممية، لا يزال الواقع يزداد سوءاً، ما يجعل من الضروري اتخاذ خطوات عملية عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، بدءاً من تحسين الوضع الاقتصادي للعائلات، وفرض قوانين صارمة لحماية الأطفال، وصولاً إلى تفعيل دور المؤسسات المعنية لضمان مستقبل أكثر أملاً لهؤلاء الصغار.

شارك