جسر – (خاص)
تداولت مصادر إعلامية خبر زيارة وفد من الجالية اليهودية السورية في الولايات المتحدة إلى المقبرة اليهودية القديمة في دمشق. واعتُبرت هذه الخطوة ذات دلالة رمزية على اهتمام اليهود السوريين بمواقعهم الدينية والتراثية في سوريا، خاصة بعد التراجع الحاد لوجودهم هناك على مدار العقود الماضية، إلا أنها أثارت بعض المخاوف والتساؤلات أيضاً.
وبحسب المعلومات المتوفرة، كان الهدف الأساسي للزيارة هو قبر الحاخام حاييم فيتال، أحد أبرز أعلام الكابالا اليهودية، والذي يُعد موقعًا مقدسًا في التراث الديني اليهودي.
من هو الحاخام حاييم فيتال؟
وُلِد الحاخام حاييم فيتال عام 1542 في صفد (الجليل، فلسطين العثمانية)، وهو أحد أعظم علماء الكابالا (التصوف اليهودي)، وكان التلميذ الرئيسي للحاخام إسحاق لوريا، أحد أبرز المفكرين في هذا المجال.
لعب فيتال دوراً أساسياً في تدوين ونقل تعاليم لوريا بعد وفاته، ويُعتبر كتابه “إتس حاييم” (شجرة الحياة) من أهم المراجع في التصوف اليهودي. بعد سنوات من الدراسة والكتابة، استقر في دمشق حيث توفي عام 1620، ودُفن في المقبرة اليهودية هناك.
على مدار قرون، ظل قبره مزاراً هاماً لليهود المتصوفين، وكان اليهود القادمون من مختلف المناطق يزورونه للتبرك. ومع تضاؤل الوجود اليهودي في سوريا في القرن العشرين، أصبح القبر جزءاً من التراث اليهودي المنسي، لكن زيارة الوفد الأمريكي الأخيرة تشير إلى محاولات جديدة لاستعادة هذا الإرث.
إعادة بناء كنيس جوبر التاريخي
إلى جانب الاهتمام بالمقبرة اليهودية، يسعى اليهود السوريون في الخارج إلى إعادة بناء كنيس جوبر، الذي يُعد من أقدم وأهم المعابد اليهودية في الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر مطلعة، زار وفد يهودي دمشق الشهر الماضي لدراسة إمكانية إعادة بناء الكنيس وترميمه، وسط اهتمام متزايد من بعض الجهات اليهودية الدولية بإحياء المواقع التراثية اليهودية في سوريا.
ويقع كنيس جوبر في حي جوبر الدمشقي، ويُعتقد أن تاريخه يعود إلى أكثر من 2000 عام، حيث يُقال إن النبي إلياهو (إيليا) قد زار الموقع، ما يجعله من أقدم الكُنس في العالم.
كان الكنيس مركزًا دينياً وثقافياً هاماً ليهود دمشق حتى أواسط القرن العشرين. وخلال الحرب السورية، تعرض الكنيس لأضرار جسيمة نتيجة القصف والاشتباكات، وسُرقت بعض محتوياته، بما في ذلك مخطوطات التوراة القديمة التي كانت محفوظة داخله.
وبالرغم من ذلك، لا يزال الكنيس يحمل رمزية كبيرة في الذاكرة الجماعية لليهود السوريين، وهو ما دفع البعض إلى محاولة استعادة ما تبقى منه وإعادة بنائه.
اليهود في سوريا
على مدار قرون، كان لليهود وجود بارز في العديد من المدن السورية، خاصة دمشق، حلب، دير الزور، والقامشلي. وكانت هذه المجتمعات مزدهرة تجارياً وثقافياً، وشاركت في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسوريا.
لكن مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948، بدأ تناقص عدد اليهود بشكل كبير ومتسارع. وفي السبعينيات، بدأت بعض العائلات اليهودية بمغادرة سوريا سرًا أو عبر اتفاقيات دولية، إلا أن الرحيل الأكبر كان في التسعينيات، عندما سمح نظام حافظ الأسد، تحت ضغط أمريكي، لآخر من تبقى من اليهود السوريين بمغادرة البلاد، فتوجه معظمهم إلى الولايات المتحدة، خاصة نيويورك، حيث استقرت جالية سورية يهودية كبيرة.
اليوم، لا يزال عدد قليل جداً من اليهود يعيشون في سوريا، وغالبيتهم من كبار السن في دمشق، أما الأغلبية الساحقة فقد استقرت في الولايات المتحدة، إسرائيل، وفرنسا.
في الوقت الحالي، يسعى بعض اليهود المنحدرين من أصول سورية إلى استعادة أماكنهم الدينية والتراثية، إما عبر ترميم المواقع القديمة أو عبر مبادرات ثقافية تهدف إلى الحفاظ على تاريخهم في سوريا.
ما موقف السلطة الجديدة في سوريا من اليهود السوريين؟
مع تزايد الحديث عن مستقبل سوريا بعد سقوط النظام، يبرز تساؤل جوهري حول موقف السلطة الجديدة من اليهود السوريين، فهل ستكون هناك إعادة اعتبار تاريخي لهم كمكون من مكونات المجتمع السوري؟ أم سيواجهون المعاملة ذاتها التي عوملوا بها خلال العقود الماضية؟
وفي السياق ذاته، يثار تساؤل أكثر حساسية حول موقف سوريا الجديد من إسرائيل، خاصة مع وجود بوادر لانفتاح بعض الدول العربية على إسرائيل في إطار التطبيع، فهل ستنتهج السلطة الجديدة سياسة مختلفة عن النظام السابق تجاه إسرائيل؟
قبر حاييم فيتال و”مرقد السيدة زينب”
أحد أبرز الجوانب المثيرة للجدل في هذه القضية هو أن بعض السوريين بدأوا يتناولون قصة قبر الحاخام حاييم فيتال كملف قد يتحول إلى نسخة مشابهة لقضية مرقد السيدة زينب، الذي استغلته إيران كذريعة لنشر نفوذها واحتلال مناطق واسعة من سوريا عبر الميليشيات الطائفية.
يطرح هذا الأمر مخاوف حقيقية حول إمكانية استخدام التراث اليهودي في المستقبل لأهداف سياسية أو ديموغرافية، سواء عبر مشاريع استثمارية تستهدف استعادة النفوذ اليهودي في دمشق، أو ربما حتى بوادر لتدخلات إسرائيلية غير مباشرة تحت شعار “حماية المواقع اليهودية”.