التعليم في سوريا الجديدة.. تحديات الحاضر وآمال المستقبل

شارك

جسر – طرطوس (هبة الشوباش)

يُعدّ التعليم ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وازدهار الحضارات، فمن خلال غرس القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية والدينية والثقافية في الأجيال الجديدة، تتحقق التنمية ويتم تمهيد الطريق لمستقبل أفضل. في سوريا، وبعد تبدل الأحوال وسقوط النظام، تثار العديد من التساؤلات حول وضع العملية التعليمية: هل عاد الطلاب إلى مدارسهم بشكل طبيعي؟ ما السياسة المطلوبة للنهوض بالتعليم؟ وما حقيقة تغيير المناهج وكيف يجب أن تكون هذه العملية؟

تساؤلات عدة تدور في أذهان الجميع، والكل ينتظر مستقبلاً أفضل لهذا القطاع الحيوي، ومع استئناف الدوام المدرسي في 15/12/2024، بدأت صحيفة “جسر” بالتقصي عن حال التعليم في المحافظات السورية، واستطلعت آراء المعلمين والأهالي والجهات المسؤولة.

طرطوس.. مدارس تستقبل المعلمين والطلاب يتغيبون

في محافظة طرطوس، تحدثنا مع عدد من المدرسين في مدرسة “عقل أبو عباد”، وأوضحت رغداء ملحم، معلمة الرياضيات، أن “الكادر التعليمي تابع الدوام بشكل كامل، لكن الطلاب يعانون من غياب يومي رغم إعلان إدارة المدرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة استئناف الدوام”.

أما الأهالي، فقد قدموا عدة أعذار لتغيب أبنائهم، أبرزها “سوء الأحوال الجوية، والخوف من الظروف غير المستقرة”، حسب تعبيرهم.

من جانبها، أشارت هبة عبود، معلمة اللغة العربية في ثانوية التجمع الشرقي بمدينة طرطوس، إلى أن “الأحداث الأخيرة أثرت نفسياً واجتماعياً على الطلاب، ما جعلهم بحاجة إلى فترة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة”، مضيفة أن “استهداف المحافظة وريفها بالصواريخ الإسرائيلية أدى إلى حالة من الخوف وعدم الاستقرار”.

كما أوضحت عبود أن ارتفاع أجور النقل كان سبباً إضافياً لعدم إرسال الأهالي أبناءهم إلى المدارس، فضلًا عن تزامن العودة مع عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، لكنها أعربت عن تفاؤلها بأن “الفصل الدراسي الثاني سيكون أفضل بفضل جهود وزير التربية وإدارة الحكومة الجديدة”.

دمشق وريفها.. انتظام تدريجي

أما في دمشق وريفها، فإن العملية التعليمية كانت أكثر استقراراً، وأفادت معلمة في مدرسة “علي بدران” بريف دمشق بأن 70% من الطلاب لم يتغيبوا منذ استئناف الدوام، والأوضاع التعليمية كانت جيدة في أغلب المدارس الريفية.

وفي مدرستي “هاني الأندلسي” الإعدادية للبنين و”إياس القدسي” للإناث بمحافظة دمشق، أكدت إدارات المدارس أن العملية التدريسية مستمرة، مع وجود نسب غياب طبيعية.

قرارات وزارة التربية.. خطوات للنهوض بالتعليم

أصدر وزير التعليم في الحكومة المؤقتة، نذير القادري، عدة قرارات لتوجيه العملية التعليمية في هذه المرحلة الانتقالية، تضمنت القرارات:

– إلغاء مادة التربية الوطنية وتعويض درجاتها بمادة التربية الدينية الإسلامية أو المسيحية، نظراً لما تحويه من معلومات مغلوطة.

– التأكيد على بقاء المنهاج الحالي حتى نهاية العام الدراسي، مع إجراء تعديلات تدريجية لاحقًا لتحسين منهجيته.

– تحسين أوضاع المعلمين، بما في ذلك رفع الرواتب التي أصبحت غير كافية لتأمين الاحتياجات الأساسية.

– إعادة تنظيم العملية التربوية من خلال لجان وزارية مختصة وتكليف موجهين تربويين بتفقد المدارس وتجهيزها لامتحانات الفصل الأول.

طموحات وآمال لإصلاح التعليم

على منصات التواصل الاجتماعي، ناشدت العديد من المدارس وزارة التربية بإجراء إصلاحات عاجلة، تضمنت: تطوير المناهج التعليمية والتركيز على التعليم المهاري والتقني، وتدريب المعلمين لتعزيز مهاراتهم، وإشراك أولياء الأمور في اتخاذ القرارات لتعزيز العلاقة بين المدرسة والمجتمع، وأيضاً تجهيز المدارس بأدوات التعليم الإلكتروني وتدريب الطلاب على استخدامها، وزيادة التركيز على اللغة الإنجليزية وإضافة حصص خاصة لتحسين مستواها.

واعتبر مدير إحدى المدارس -فضل عدم ذكر اسمه- أن تغيير المنهاج بشكل جذري في هذه المرحلة الانتقالية ليس منطقياً، واقترح أن تُركز التعديلات على إزالة المحتوى المرتبط بالنظام السابق فقط.

معلمو مادة التربية القومية، عبروا من جانبهم عن رغبتهم باستبدالها بمادة تعزز القيم والمبادئ، مثل السلام، والعدل، والمساواة، وحقوق الإنسان.

التعليم في سوريا بين الماضي والمستقبل

عانى التعليم في سوريا لعقود طويلة من مشكلات عديدة أثرت على نوعيته ومستوى الطلاب. ومع بداية مرحلة جديدة، يأمل الجميع في تحقيق ثورة تعليمية تعيد لهذا القطاع قيمته، وتوفير بيئة تعليمية مميزة ومستقرة للأجيال القادمة.. فهل ستشهد سوريا إصلاحاً حقيقياً يعيد للتعليم مكانته؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شارك