الخطاط السوري في مواجهة الذكاء الاصطناعي.. تكامل أم تهديد؟

شارك

جسر – دمشق (رامي بديوي)

لطالما شكل الخط العربي عبر الزمن حاملاً للفكر ووعاءً للمعرفة وجسراً للتواصل الحضاري. وفي سوريا، اكتسب الخط قيمة جمالية مضافة منذ الحضارات القديمة، مروراً بالعهد الأموي وصولاً إلى وقتنا الحالي.

ورغم التطور التكنولوجي الكبير في أشكال وأنواع الخطوط، تبقى لروح الخطاط بصمته الإبداعية الخاصة، حيث ما يزال الخط العربي ينبض بالحياة بفضل لمسات الحرفي الماهر، الذي لا يمكن استبداله بالآلات مهما تقدمت.

منافسة بين الخط اليدوي والآلي

يقول الخطاط أدهم فادي الجعفري، مدرس الخط العربي في جامعات ومعاهد دمشق، في حديث خاص لصحيفة “جسر” إن المنافسة شديدة بين الخط الآلي واليدوي، فالآلي يمتاز بسهولة الاستخدام وسرعة الإنجاز، بينما يحتاج الخط اليدوي إلى مهارة وتدريب طويل، لكنه يمنح العمل روحاً فنية فريدة لا تضاهيها الآلات.

ويضيف: “الخط الآلي يؤدي وظائفه العملية، لكن لا غنى عن الخط اليدوي في الأعمال التي تتطلب حضوراً فنياً وجمالياً، مثل اللوحات الخطية في الأماكن البارزة، حيث تُراعى عناصر الورق والأحبار لتضفي جمالية خاصة”.

هل يهدد الذكاء الاصطناعي مهنة الخطاط؟

حتى الآن، لم يتمكن الذكاء الصنعي من الاستعاضة عن الخط اليدوي بشكل كامل، ولكن مع التطور المستمر، قد يزداد دوره في المستقبل. ومع ذلك، تبقى روح الكتابة اليدوية الأقوى، كما يظهر في دول رائدة في الذكاء الصناعي، التي ما زالت تمارس هذا الفن بالطريقة التقليدية.

ويعلق الجعفري قائلاً: “لا أرى عداوة بين الخط اليدوي والتكنولوجيا، بل يمكن الاستفادة منها في تقنيات حديثة كالحفر بالليزر أو النقش على الخشب، مما يسهل تنفيذ المشاريع الكبيرة التي كان يصعب تحقيقها بالطرق اليدوية”.

الإضافات السورية على الخط العربي عبر التاريخ

شهد الخط العربي في سوريا تطوراً ملحوظاً عبر العصور، حيث تعددت وظائفه الجمالية واللغوية، وخاصة في العهد الأموي، الذي شهد ابتكار خطوط جديدة وتطورها لتشمل تدوين المصاحف وسجلات الدولة.

ويشير الجعفري إلى أن الخط العربي في سوريا استمد عمقه اللغوي من الأبجديات السورية القديمة، مما مكن الخطاطين السوريين من إبداع خطوط فريدة مثل خطوط قطبة المحرر وغيره من رواد الفن.

كما ولدت في سوريا أسماءً بارزة في عالم الخط، مثل ممدوح الشريف وبدوي الديراني، وصولاً إلى الجيل الجديد من الخطاطين مثل عبيدة المنكي وهيثم سلمو.

رؤى للحفاظ على الخط العربي وتطويره

يرى الخطاطون أن الحفاظ على الخط العربي وتطويره يتطلب جهوداً متضافرة من المؤسسات التعليمية والثقافية لنشر هذا الفن وتعزيزه بين الأجيال الجديدة.

ويؤكد الخطّاط “الجعفري” على أهمية تعليم الخط العربي في المناهج الدراسية، مع ضرورة استخدام خطوط جميلة في الكتب المدرسية والإعلانات الرسمية، للحفاظ على الذائقة الجمالية للأجيال القادمة، ويقول إنه “ليس مطلوباً من الجميع أن يؤدي الكتابة، لكن على الأقل أن يمتلك نافذة إلى تذوق ومعرفة هذا الجمال ما يعزز ارتباطه ببلده وشخصيته العربية، وهذا التراث الأصيل، عبر تعلم الخط في المناهج الدراسية من خلال الاهتمام بالمدرس حتى يصل بهذه المعلومات إلى الطلبة”.

يبقى الخط العربي، الذي يستمد سحره وجماله من غنى اللغة العربية، أحد مكونات الهوية الثقافية التي تحتاج إلى اهتمام خاص من الجهات المعنية لنشره وتطويره في ظل المتغيرات التكنولوجية.

شارك