الرواتب لا تكفي لشراء الخبز.. السوريون بين انتظار الزيادة وتحديات المعيشة

شارك

جسر – هبة الشوباش

منذ سقوط النظام في سوريا، تشهد البلاد تغيرات واسعة في البنية الإدارية والسياسية، كان من أبرزها الوعود الحكومية الجديدة برفع رواتب العاملين في القطاع العام بنسبة قد تصل إلى 400%، في خطوة تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، بعد سنوات طويلة من التدهور الاقتصادي الحاد.

وأشارت الحكومة الجديدة إلى أن هذه الزيادة ستُنفذ في الشهر المقبل، عقب الانتهاء من إعادة هيكلة الوزارات لتحسين الكفاءة والمساءلة، رغم وجود تحديات مالية كبيرة، في مقدمتها نقص السيولة النقدية، مما يدفع الحكومة إلى الاعتماد على الدعم الإقليمي والدولي لتمويل تلك الزيادة المرتقبة.

أسباب تأخر صرف الزيادات

وبحسب تصريحات رسمية، فإن تأخر تنفيذ زيادة الرواتب يعود إلى عدة أسباب، على رأسها نقص الموارد المحلية والاعتماد على التمويل الخارجي، كما أكدت الحكومة أنها تعمل على إعادة تنظيم الوزارات بشكل كامل لتعزيز الكفاءة الإدارية، ما أدى إلى تأخير بعض القرارات المالية.

إضافةً إلى ذلك، تم تطبيق نظام جديد يُعرف بـ “مداورة الرواتب”، يهدف إلى تنظيم عمليات الصرف والحد من الفساد، لكنه تسبب في تأخير مؤقت في تسليم الرواتب للموظفين.

ورغم تلك الجهود، يبقى الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد عائقاً حقيقياً أمام تنفيذ هذه الزيادات بشكل سريع ومستدام، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني وانخفاض القوة الشرائية للعملة السورية.

نقص السيولة.. عوامل متعددة ومعقدة

وبحسب مصادر حكومية، فإن نقص السيولة في سوريا يرجع إلى عدة عوامل معقدة، منها:

– احتفاظ مصرف سوريا المركزي باحتياطيات نقدية ضخمة بالليرة السورية لتغطية التزامات الدولة كرواتب الموظفين، ما يقلل من الكتلة النقدية المتداولة في السوق.

– سلوك التجار والصرافين الذين يحتفظون بالعملة المحلية توقعاً لارتفاع قيمتها، مما يؤدي إلى تكديسها وتقليل السيولة.

– نمط المعاملات النقدية في البلاد، حيث لا تزال الغالبية العظمى من التعاملات تتم نقداً، ما يدفع الناس إلى الاحتفاظ بأموالهم خارج الدورة الاقتصادية.

– تجميد الإنفاق الحكومي في عدة قطاعات، مما أسهم في تقليل تدفق الأموال داخل الاقتصاد الوطني.

رواتب لا تكفي وواقع معيشي منهار

ضعف الرواتب الحالية أثر بشكل بالغ على المواطنين السوريين، فالمداخيل المتدنية تجعل من الصعب تغطية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، السكن، والتعليم، خاصة في ظل الارتفاع الهائل للأسعار، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات الفقر.

وتشير التقارير إلى أن حوالي 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما لا يغطي الحد الأدنى للأجور سوى جزء بسيط من تكلفة الحياة اليومية، ما دفع العديد من الشباب للهجرة بحثًا عن فرص أفضل، وخلق نقص حاد في اليد العاملة داخل البلاد.

كما أن الضغوط الاقتصادية خلفت آثاراً نفسية واجتماعية كبيرة، مثل تفكك الأسر وتزايد المشاكل النفسية، خاصة مع غياب الاستقرار الاقتصادي والأمن المعيشي.

رفع الدعم وزيادة الأسعار قبل الزيادة المرتقبة

وفي خطوة فاجأت الشارع السوري، قامت الحكومة الجديدة برفع الدعم عن مادتي الخبز والغاز قبل تنفيذ الزيادة الموعودة في الرواتب، مما زاد من الأعباء المعيشية على المواطن.

وبررت الحكومة هذا الإجراء بـ”الحاجة لتقليل النفقات” نظراً للتحديات المالية التي تواجهها، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تضرر سلاسل الإمداد وغلاء أسعار المواد الخام كـ القمح والوقود، بالإضافة إلى زيادة الطلب على المواد الأساسية مع تحسن الأوضاع الأمنية.

كما تعمل الحكومة على تحرير تدريجي للأسعار وتقليص الاعتماد على الدعم الحكومي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل كبير.

وأصبح من الصعب على الكثير من الأسر السورية تأمين رغيف الخبز، بعد أن بلغ سعر الربطة أربعة آلاف ليرة سورية، ما يجعلها خارج متناول شريحة واسعة من المواطنين.

يقول المواطن محسن الأسدي، وهو موظف في القطاع الخاص ويتقاضى راتبًا شهريًا قدره مليون ليرة سورية: “أجار منزلي 700 ألف ليرة، وعندي ثلاثة أطفال، نحتاج إلى ربطتين من الخبز يومياً.. سابقاً كانت الربطة بـ500 ليرة، أما الآن فأحتاج إلى 240 ألف ليرة شهرياً فقط للخبز”.

هذا التصريح يعكس الهوة العميقة بين الرواتب وتكاليف المعيشة، والتي دفعت بالمواطن السوري إلى حافة الانهيار المعيشي، وسط ظروف اقتصادية لا تزال تزداد تعقيداً.

شارك