تجارة الوهم.. الزئبق الأحمر “السحري” يظهر في سوريا!

شارك

جسر – (خاص)

في مناطق النزاع المسلح، حيث تنهار أنظمة الرقابة وتنتشر الفوضى، تبرز ظواهر غريبة في الأسواق السوداء، وتنتعش تجارة المواد المحظورة والمشبوهة، ويجد المحتالون أرضاً خصبة لترويج منتجات غامضة يدّعون أنها خارقة القيمة، ومن بين هذه المواد عاد ما يُعرف بـ”الزئبق الأحمر” إلى الواجهة، وتحديداً في الأسواق السوداء داخل سوريا.

وحصلت صحيفة “جسر” على مقاطع مصورة متداولة عبر تطبيق “واتس آب” في سوريا، توثق عرض هذه المادة الغامضة التي يزعم البعض أنها ذات قدرات خارقة، وتتراوح استخداماتها المزعومة بين صناعة القنابل النووية واستخراج الكنوز، وصولاً إلى أعمال السحر الأسود.

وتُظهر المقاطع ما قيل إنها عبوات تحتوي على “زئبق أحمر” داخل رؤوس معدنية ثقيلة، محفور عليها رموز مثل “GERMANY” و”H&G FOB”، إلى جانب أرقام متسلسلة توحي بأن القطعة عسكرية أو صناعية دقيقة. وفي وسط أحد هذه الرؤوس، وُضعت زجاجة صغيرة تحوي سائلًا أحمر.

وأفادت مصادر أهلية في أرياف حماة وحمص، أن هذه الفيديوهات انتشرت بين الناس، إلا أنه لم يُعرف حتى الآن من يقف وراء عمليات الاحتيال هذه.

ما هو الزئبق الأحمر؟

بالرغم من أن الاسم متداول منذ الثمانينات، لم تتمكن أي جهة علمية معترف بها من إثبات وجود مادة بهذا الاسم تحمل الصفات الخارقة المنسوبة إليها.

بعض الشائعات تدعي أنه مادة مشعة تُستخدم لتسريع التفاعل النووي في الأسلحة، بينما يروج آخرون لفكرة أنه يُستخدم في تحريك المعادن أو كشف الكنوز المدفونة، وقد ظهرت قصص عديدة في الدول العربية قبل سنوات، عن أشخاص دفعوا مبالغ طائلة لشراء زجاجات زُعم أنها تحوي الزئبق الأحمر، ليتبيّن لاحقاً أنهم وقعوا ضحية للاحتيال.

تاريخ هذه المادة حافل بالخداع، ففي التسعينات، رُوّج لها في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي على أنها من أسرار الترسانة النووية السوفيتية.

وفي العراق، خلال فترة الحصار، نُشرت شائعات عن امتلاك النظام العراقي لهذه المادة كوسيلة ردع سرية، أما في مصر والسعودية وسوريا بدرجة أقل، انتشر جنون شراء ماكينات الخياطة القديمة من نوع “سنجر” بزعم أنها تحتوي على كبسولات زئبق أحمر داخل آلياتها.

وتناولت وسائل الإعلام العالمية مرات عدة، هذه الظاهرة المتجددة، مثل “بي بي سي” و”نيويورك تايمز“.

الفوضى السورية ساحة للاحتيال

في سياق الحروب الحديثة مثل ما حصل سوريا، تستغل جماعات التجار والمهربين مثل هذه الشائعات لتسويق بضائع مزيفة، مستغلين حاجة البعض للمال أو رغبتهم في امتلاك “سلاح خارق”، وفي مثل هذه البيئات، يصعب التفريق بين الحقيقة والخداع، خصوصاً حين يُلبّس الاحتيال بلباس العلم، وتُستخدم مصطلحات تقنية أو صناعية مزورة لتمرير الأكاذيب.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من الهيئات العلمية الدولية نفت بشكل قاطع وجود مادة تُدعى الزئبق الأحمر يمكن استخدامها في التفاعلات النووية أو غيرها من التطبيقات الخارقة، ومع ذلك، تستمر عمليات الاحتيال مستندة إلى الجهل، والطمع، والفوضى التي تُخيم على مناطق النزاع.

وفي حين تبدو هذه القصص للبعض مجرد حكايات، إلا أن لها تبعات خطيرة على أرض الواقع، إذ قد تؤدي إلى تمويل أنشطة غير شرعية، أو إلى تورط أبرياء في قضايا أمنية معقدة.

إن قصة الزئبق الأحمر، التي تجمع بين الغموض والخداع، تقدم مثالاً حياً على كيف يمكن للشائعات أن تتحول إلى أدوات احتيال منظمة، خاصة في زمن الحرب والضعف المؤسسي، وذلك فمن المهم عدم الانجرار وراء هذه الادعاءات، لأن الخسائر لا تكون مادية فقط، بل قد تطال الأرواح أو تقود إلى السجن، في نهاية طريق ملغوم بالأكاذيب.

شارك