جسر – (عبد الله الحمد)
الزعتر الحلبي جزء أصيل من هوية مدينة حلب، ويمثل علامة مميزة للمدينة وأحد أبرز المنتجات التراثية التي يفتخر بها أبناء الشهباء، وحرفة إنتاجه تعود في أصولها إلى الأجداد وتوارثها الأبناء، وأصبحت رمزاً للصناعة الغذائية الشعبية السورية، حيث يمتلك منتجو الزعتر الحلبي أسلوباً فريداً في تحضيره، من حيث اختيار المواد والمنكهات وطرق الإعداد.
يقول أسامة الناصر، صاحب إحدى أشهر ماركات الزعتر الحلبي: “بدأنا بإنتاج الزعتر منذ زمن جدي في عام 1965، وورثنا المهنة عن والدنا مع الحفاظ على النكهة الأصيلة التي تتميز بنكهة السماق. اليوم، أصبح الزعتر الحلبي تراثًا خاصًا بالمدينة، يتميز بجودته العالية ومكوناته الطبيعية مئة بالمئة”.
وأضاف مازحاً: “النازل والطالع على حلب بقلك: خيو جبلي معك زعتر حلبي وصابون غار”.
وبحسب علي شاكر، أحد الخبراء في هذا المجال، يتم تحضير الزعتر بمزج ثمانية مكونات أساسية وهي: السمسم والسماق وورق الزعتر واليانسون والشمرة والكمون والملح إضافة إلى القضامة، ويضاف إلى بعض النوعيات الإكسترا الفستق الحلبي المجروش ضمن هذه المكونات، ويضاف إلى بعض الأنواع الفاخرة (الإكسترا) الفستق الحلبي المجروش.
ويتم تحميص كل مكون بطريقة ووقت محددين، ثم يتم خلط المواد بكميات ونسب تتوافق مع خلطة كل مصنِع لهذا الصنف، ثم يذهب إلى مرحلة الحجر “الطحن” والتي تشكل بودرة الزعتر ويضاف بعد ذلك السمسم المحمص بحبته الكاملة مرة أخرى والفستق الحلبي المبروش، ويرغب البعض بإضافة بودرة السماق أيضاً، كما نوه شاكر أن “لكل معلم مصلحة سره الخاص سواء كان بالمقادير أو الخلط أو التحميص”.
فوائد صحية واقتصادية واستخدامات متنوعة للزعتر
نبات الزعتر يتكون من أجزاء هوائية تقتطف في فصل الصيف، حيث تحتوي على زيوت مطهرة متطايرة، كما أن أوراقه لها رائحة مميزة، وفي هذا الصدد تؤكد خبيرة التغذية راما نجار أن “الزعتر بشكل عام له استعمالات كثيرة، فهو مريح للتشنجات العضلية، وهو منشّط فعال، حيث أن الزيوت المكونة له تدعم وظائف الجسم الطبيعية، وتخفف من آثار الشيخوخة”.
وتضيف أنه “يعمل بصورة فعالة كمضاد للأكسدة ويساعد في الحفاظ على مستويات عالية من الأحماض الدهنية الضرورية في الدماغ”.
أما العم أبو محمد وهو عطّار يعمل في مجال خلطات الأعشاب العلاجية، يؤكد أن “العطارين بشكل عام اعتمدوا على الزعتر كمحفز ومنشط للجهاز المناعي حالة الالتهابات المعدية والمرتبطة بالجهاز التنفسي، أما لدى الأطفال فخصائصه التنشيطية كان لها نفس مفعول الآثار المهدئة للأعشاب الأخرى المستخدمة في معالجة هذه الحالات، كما يوصى بزيت الزعتر لتشجيع بصيلات الشعر على النمو وعلاج حالات تساقط الشعر بفركه على فروة الرأس”.
للزعتر أنواع عديدة منها الأخضر والأحمر وزعتر دبس الرمان، والذي يشهد إقبالاً كبيراً على شرائه هذه الأيام، كما شكلت هذه الصناعة رافداً مهماً للاقتصاد الوطني من خلال تصديره إلى الكثير من الدول حول العالم نتيجة لطعمه المميز وسعره المقبول، حتى بات صنفاً مهماً على أغلب الموائد سواءً في سورية أو خارجها، إضافة لاستخدامه في عدة أكلات أخرى كمكون أساسي مثل الفطاير والصاجيات والسلطات.
وخلال جولة لصحيفة “جسر” في محلات بيع الزعتر بحلب أكد الأهالي أنه هذه الأكلة التراثية القديمة عند شرائها بالذات يذهبون إلى المحلات المتخصصة بصناعتها ويجب أن تكون طازجة “تازة” إضافة إلى السخاء بالمكونات والنظافة أولاً وأخيراً، وأن الزعتر يرتبط دائماً بذاكرتهم منذ الطفولة حتى المراحل العمرية التي يعيشونها فهو يذكرهم بالأجواء العائلية الحميمة وأيام الدراسة وغيرها من الذكريات.
للزعتر مكانة هامة في قلوب السوريين عموماً والحلبيين خصوصاً، ومن دونه المائدة ناقصة، سيما مائدة الفطور التي لا تكتمل إلا بوجوده مع زيت الزيتون، إضافة لما له من فوائد صحية وعلاجية كبيرة تغني عن استخدام الأدوية الكيميائية المضرة التي لها آثار جانبية.