جسر – دمشق (عبد الله الحمد)
يعد السكن الجامعي في دمشق إحدى القضايا الشائكة التي تعكس واقع التعليم العالي بالبلاد عموماً، في ظل ظروف اقتصادية متردية. ورغم أهميته كحاضنة لآلاف الطلاب القادمين من مختلف المحافظات، يعاني السكن من اكتظاظ كبير، وسوء الخدمات، وفساد في التوزيع، وكل محاولات الترميم والتنظيم لم تسهم في تحسين الوضع، بل كشفت عن تحديات أكبر.
تأسست المدينة الجامعية أو ما يعرف بالسكن الجامعي التابع لجامعة دمشق عام 1962، وتتألف حالياً من 27 وحدة سكنية موزعة بين تجمع المزة، الهمك، برزة، وسكن الدراسات العليا.
ويشترط لتأمين السكن أن يكون الطالب من مدينة تبعد جغرافياً 40 كم عن العاصمة دمشق. ويقيم في المدينة الجامعية أكثر من 35 ألف طالب، مما يفوق طاقتها الاستيعابية، ورغم محاولات تنظيم السكن عبر تطبيق إلكتروني لوقف التلاعب والابتزاز، لا يزال التوزيع داخل الغرف يفتقر لنظام محدد.
التطبيق المخصص لكل كلية يظهر وضع الطالب الأكاديمي بدلاً من القوائم الورقية. لكن على أرض الواقع، كان يعتمد التوزيع خلال الفترة الماضية التي سبقت سقوط نظام الأسد، على “الواسطة” أو الانتماء للجهات الأمنية، أو اتحاد الطلبة، أو حزب البعث، مع تمييز بين طلاب الجامعات العلمية والأدبية.
تجارب طلابية في السكن الجامعي
الطالبة “ه .ج” في حديثها لـ”جسر” عن الوحدة 14 للإناث، تقول إنها تعتبر من أقدم الوحدات السكنية التي تضم طالبات كلية الآداب والتربية والمعاهد، وأن هذه الوحدة “تحتاج إلى ترميم كامل، والطالبات يعانين من انقطاع التيار الكهربائي أيضاً لساعات طويلة حيث تستمر ساعات التقنين من الصباح حتى الساعة 12 بعد منتصف الليل”.
أما محمد (طالب كلية التربية) يقول، إن “الجميع يفضل طلاب الطب على البقية، وكأننا طلاب درجة ثانية”، مضيفاً: “يسكن كل طالبين أو ثلاثة طلاب طب وصيدلة كحد أعلى في الغرفة الواحدة بينما نحن في الوحدة المقابلة تماماً نقطن 8 أو 10 طلاب”.
رامي طالب طب أسنان بالسنة الرابعة، يتحدث بمرارة: “كان يزرعون المخبرين بيننا وينقلون لهم كل حركاتنا وسكناتنا، كان يغرونهم عن طريق اتحاد الطلبة بأنهم أعضاء هيئة ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم.. هلكونا بالتشبيح”.
تيماء طالبة جامعية من السويداء اختصاص علم النفس، بيّنت أن “كل 7- 10 طالبات يقطنون غرفة واحدة، وضمن هذا العدد نحن لا نستطيع الدراسة أو متابعة التحصيل العلمي لأن العدد غير مقبول، بينما هناك بعض الغرف لا يقطنها إلا فتاة واحدة!!”.
وأضافت تيماء أن “الكثير من الزميلات استأجروا مع بعضهن منزلاً لعدم قدرتهم على تحمل العيش في السكن الجامعي والتي تشتهر بين الطلاب بسوء خدماتها وصعوبة الحياة فيها”.
رؤى طالبة صيدلة في جامعة دمشق من ريف حماة، تقول أيضاً إنها كانت قد سكنت بعد الواسطة في الوحدة السابعة من السكن مع ثلاث من صديقاتها، لكنها تفاجأت بعد عام بأن طالبتين تملكان “واسطة أكبر”، أخذتا غرفتها لتنتقل إلى غرفة سيئة مع سبعة فتيات أخريات”.
أوضاع كارثية تتنظر الإصلاح
تم إخلاء السكن الجامعي منذ عامين للترميم، لكنه اقتصر على المكتبة المركزية والمقاصف والتمثال الموجود في الساحة، وظل السكن يفتقر لأي نقطة طبية أو مستوصف، ويعاني من ضعف الخدمات وسوء النظافة.
وفق شهادات الطلاب، فإن في كل طابق بالمدينة الجامعية يوجد حمامات، وبسبب ضعف الصيانة والمتابعة تسبب مشاكل لغرفتين على الأقل، حيث أن الغرف المجاورة للحمامات تتأثر بشكل كبير بالرطوبة، والرائحة فيها كانت لا تطاق، ما يعني أن ذلك يؤثر على 10 طلاب على الأقل في كل طابق بمعدل 50 طالب في البناء طيلة العام الدراسي.
وعن سكن الدراسات العليا، يقول حمزة طالب دراسات في كلية الطب البشري: “كل وحدة سكنية بالسكن عبارة عن كتلتين وقد تم ترميم حمامات الكتلة الأولى من كل وحدة منذ ما يقارب أربع سنوات، وبسبب تحول الضغط كله على حمامات الكتلة الثانية تعطّلت معظمها وخرجت عن الخدمة والبقية في وضع مزرٍ”.
بدوره “م.ح” وهو مشرف في سكن الدراسات ذكر بأنه “تم إغلاق مكتبة الدراسة في الوحدة 18 وتحويلها إلى مركز التمكين، إضافة لعدم تشغيل موّلدات الكهرباء ومعاناة من التقنين الكهربائي، وعدم وجود مياه ساخنة للاستحمام”.
في حديث مع إحدى طلاب الوحدة الأولى للذكور لفت “ق. ن” إلى أن الوحدة تعتبر من أقدم الوحدات السكنية التي تحتاج إلى ترميم كامل، خاصة بعد حادثة الزلزال في عام 2023 الذي سببت شقوق بالجدران وأصبحت الوحدة خطر على حياة مئات الطلاب.
رغم وعود إدارة المدينة الجامعية بتحسين الوضع، تستمر معاناة الطلاب بسبب سوء الخدمات، انتشار الأوساخ، ومعسكرات الشبيحة التي كانت تضيق على أجواء الدراسة، ومع ذلك، يدعي المسؤولون أنهم -وبعد سقوط النظام- يعملون على تأمين حياة أفضل للطلاب وتحسين الأوضاع في المرحلة القادمة.