السياحة في سوريا.. تجارب مهمة وتطلعات طموحة للمستقبل

شارك

جسر – (رامي بديوي)

وصف عالم الآثار الفرنسي أندريه بارو سوريا بأنها وطن ثانٍ لكل إنسان متحضر، لما تحمله من أهمية جغرافية وتاريخية. وفي مقدمة كتابه “تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين”، قال الدكتور فيليب حتي: “تحتل سوريا مكانة فريدة في تاريخ العالم. وقد كان فضلها على رقي البشرية من الناحيتين الفكرية والروحية أعظم من أي بلد آخر. وربما كانت سوريا أكبر بلد صغير على الخريطة، فهي صغيرة جدًا في حجمها ولكن عالية التأثير”.

تلك المقدمة تعطينا لمحة عن أهمية موقع سوريا على خارطة السياحة الثقافية، وحول هذا الموضوع يقول غسان شاهين، رئيس جمعية مكاتب السياحة والسفر في سوريا، وعضو غرفة سياحة دمشق، لصحيفة “جسر”: “سوريا منذ بداية التاريخ هي مركز ثقافي وحضاري وتاريخي. كانت معبراً لأهم طريق تجاري في العالم، طريق الحرير، الذي لم يحمل معه حريراً فقط، بل ثقافات مختلفة ومركزه في تدمر، لتبادل الثقافات ولإحياء العلاقات العامة بين البشرية جمعاء. القادم من الشرق كان يمر في سوريا ليستزيد من هذا التاريخ والفكر والثقافة قبل أن ينتقل إلى العالم”.

أما عن واقع السياحة الثقافية في سوريا، وأين وصلت، يضيف شاهين: “في عام 2016، كانت السياحة عمومًا تشكل 16% من الدخل القومي للبلاد. هذا الدخل لم يكن ليصل إلى هذا المستوى لولا الاعتماد على المعطيات الأساسية، وعلى رأسها السياحة الثقافية، تليها السياحة الدينية والتاريخية”.

وبالنسبة للتحديات التي تواجه السياحة الثقافية، أوضح أن “الظروف السياسية التي مرت بها سوريا خلال الأعوام الخمسة عشر السابقة كانت قاتلة لكل أنواع السياحة. ومن هنا، أؤكد أن أهم التحديات هو تحقيق السلام، وعودة سوريا إلى الخارطة الطبيعية للعالم”.

وأشار إلى أن “بعض المواقع السياحية التي كان من العسير الوصول إليها عادت إلى الحياة اليوم، مثل سمعان العامودي والمدن البائدة في إدلب، الرقة، السويداء، درعا ومدرج بصرى. الحمد لله، الآن أصبح من الممكن زيارتها. أما عن المعوقات، فبالنظر إلى أن سوريا تمر بمرحلة جديدة، نحتاج إلى الصبر حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، مع التأكيد على أهمية الانفتاح السياسي والفكري لتطوير العمل السياحي”.

وعن التطلعات لتعزيز السياحة الثقافية، أكد شاهين على ضرورة “إعادة تأهيل المتاحف وافتتاح المتاحف المغلقة منذ خمس عشرة سنة، إضافة إلى تأهيل المواقع السياحية التي كان من العسير الوصول إليها. وهنا أؤكد على أهمية الإعلام والإعلان. نحن بحاجة إلى نشرة سياحية متطورة تخاطب عقل الأجيال الجديدة حول العالم”.

أما الأستاذ عبد الرزاق حمصي، الباحث والدليل السياحي الذي رافق أبرز الشخصيات العالمية التي زارت سوريا، يقول لصحيفة “جسر” إن “سوريا من أهم المواقع الموضوعة على خارطة السياحة الثقافية العالمية، نتيجة المخزون التراثي والثقافي الضخم. فيها عشرة آلاف موقع أثري يعود تاريخها إلى الألف السابع قبل الميلاد حتى يومنا هذا. ومن أبرزها مواقع طريق الحرير مثل تدمر، الرصافة، دورا أوروبس، حلب، دمشق، بصرى، وطرطوس. كما تضم سوريا إرثاً روحياً ضخماً يتمثل في خمسة آلاف جامع وثمانمئة كنيسة”.

ولفت حمصي الانتباه لأهمية المواقع الأثرية مثل إيبلا، التي اكتشف فيها أول مدرسة، وأول برلمان، وأسواق منظمة، إضافة إلى سيطرتها على طرق التجارة في الألف الثالث قبل الميلاد، وأوغاريت التي سيطرت على حوض المتوسط منذ ثلاثة آلاف عام.

وفيما يتعلق بالتحديات، يقول الأستاذ حمصي إن “سوريا بحاجة لإعادة ترميم المواقع التي تضررت وتأهيل البنية التحتية في المواقع الشهيرة، بالإضافة إلى تدريب الكوادر من الجيل الجديد وجذب الكفاءات التي خسرناها سواء من الأدلاء السياحيين أو العاملين في المطاعم والفنادق”.

ويؤكد على أهمية إعادة التسويق للسياحة الثقافية مع التركيز على حضارات سوريا القديمة في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، مشيراً إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي المهم في الترويج.

من أبرز الشخصيات التي زارت سوريا المستشرقة البريطانية جين ديكبي عام 1850، التي ألفت كتاباً عن تلك الزيارة، ونجوم السينما مثل أنجيلينا جولي وبرات بيت، إضافة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.

ويستذكر الأستاذ حمصي أسماء أدلاء تركوا بصمة كبيرة، مثل مجول المسرب عام 1860، فاطمة جود الله التي عملت في السياحة منذ ستينيات القرن الماضي، وجورج عبيد الذي عمل على الترويج للسياحة الثقافية على نفقته الخاصة، وغيرهم الكثير ممن قدموا سوريا بطريقة صحيحة.

عقود عديدة عانى خلالها القطاع السياحي من محسوبيات وفساد وسماسرة ودخلاء غيبوا الكثير من الكفاءات وصدروا صورة مغالطة عن السياحة الثقافية في سوريا، إلا أن العاملين النشطين في هذا المجال، من الذين بذلوا الكثير للحفاظ على مكانة سوريا على الخارطة العالمية للسياحة الثقافية، يتطلعون اليوم في ظل الانفتاح السياسي إلى عودة الألق إلى القطاع السياحي في هذا البلد.

شارك