العدالة الانتقالية.. ملف شائك أمام السلطة السورية الجديدة

شارك

جسر – عبد الله الحمد

أعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني عن عزم سوريا الإعلان قريباً عن تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، وأخرى معنية بملف المفقودين السوريين، وذلك في ضوء التحول السياسي الجذري الذي عاشته البلاد عقب سقوط نظام الأسد البائد، وبعد اتخاذ حكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، خطوات عدة في إطار تحديد أولويات المرحلة الجديدة.

ويبرز ملف العدالة الانتقالية كأحد أكثر الملفات أهمية، التي ينبغي على الحكومة التعامل معها بهدف معالجة الإرث الثقيل من الانتهاكات الجسيمة، وترسيخ العدالة والسلم الأهلي.

فكرة العدالة الانتقالية

العدالة قانونياً ودستورياً وسياسياً هي فكرة نشأت نتيجة إحساس الشعوب بضرورة إعادة تكوين أنظمتها السياسية والقانونية والدستورية والديمقراطية.

ويرى الحقوقي عبد السلام البراقي في تصريح خاص لصحيفة “جسر” أن العدالة الانتقالية هي محاولات الشعوب لإعادة تكوين الدولة عند الخروج من مرحلة عنف واضطرابات ونزاعات مسلحة، وهي تترافق غالباً بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من خلال القمع والنزاعات المسلحة، ما يمنحها أهمية كبيرة كأداة لإعادة بناء المجتمع والاعتراف بما جرى من انتهاكات، في محاولة لتجنب تكرارها، ومراعاة وضمان حقوق الإنسان.

حتمية الاعتراف والابتعاد عن عزل الأشخاص

يعد الاعتراف الوسيلة الأكثر حكمة لطمأنة الضحايا الذين تعرضت حقوقهم للانتهاك، وهذا من شأنه تعزيز الثقة بين مكونات المجتمع، سواء كانت أحزاباً أو قوميات أو طوائف أو أطرافاً سياسية.

وفي هذا السياق، يقول الصحفي أسامة عمايري إن الاعتراف يشكل خطوة أساسية نحو “خلطة ناجحة” تنتج العدالة الانتقالية، مشيراً إلى أن ذلك “سيقود لمجتمع يسوده القانون وتُكرّس فيه حقوق الإنسان كحقوق ما فوق دستورية”.

كما شدد العمايري على “ضرورة الابتعاد عن العزل السياسي للأشخاص، لا للمجموعات، ومنعهم من ممارسة الشأن العام سياسياً أو إدارياً”، موضحاً أن “النظام السابق أجبر كثيرين على تبني مواقف لا يؤمنون بها خشية الاعتقال والتعذيب وحرمان الحقوق”.

وأضاف أن “المبالغة في العزل، كما حصل في العراق عبر فكرة اجتثاث البعث، قد تؤدي إلى نتائج سلبية، لأن الانتماء الحزبي في الحالة السورية كان إجبارياً في معظم النقابات والمدارس والمؤسسات، وبالتالي فإن العزل غير المدروس قد يقود إلى مشاكل اجتماعية تشوب العدالة الانتقالية بكثير من المخاطر”.

آليات أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية

تُجبر الحكومات الجديدة في اللحظات الحرجة على وضع تصور وآلية لتطبيق العدالة الانتقالية، كون العدالة مفهوماً متجذراً في القانون الدولي والإنساني، ويوازي في أهميته حقوق الإنسان.

ويؤكد الحقوقي البراقي أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون عملية شاملة وقانونية، مع إمكانية الاستعانة بالخبرات الدولية، لأن تكلفة هذه الاستعانة أقل بكثير من تكلفة الفشل في التطبيق.

وتشمل العدالة الانتقالية تقصي الحقائق، إعداد الملاحقات القضائية، تحديد أنواع الضرر والتعويضات، محاسبة المسؤولين، وتقوية المجتمع لمنع تكرار الانتهاكات.

ونوه البراقي إلى “ضرورة أن تتسم العملية بمسارات تتلاءم مع خصوصية المجتمع السوري السياسية والتاريخية، وأن تكون وطنية شاملة لا تُقصي أحداً، بحيث يخضع الجميع لنفس القواعد القانونية سواء كانوا ضحايا أو جناة، بغض النظر عن الجهة”.

كما شدد الصحفي العمايري على أهمية “عدم التهميش أو الإقصاء، ومراعاة المعايير الدولية التي أقرها القانون الدولي الإنساني، ومنها مشاركة الجنسين في كل مراحل العملية وصنع القرار، مع ضرورة أن تكون النتائج واضحة وتؤدي إلى تغيير شامل وجذري يعالج الواقع القائم ويقوده نحو مستقبل أفضل”.

ضرورة إصلاح المؤسسات

أكد التقرير المفصل الذي أصدرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” حول رؤيتها لتحقيق العدالة الانتقالية أن إصلاح مؤسسات الدولة كافة يُعد ضرورة ملحة نظراً لما شهدته من فساد وتدهور خلال عهد النظام البائد.

وشدد التقرير على ضرورة منح الأولوية في المرحلة الانتقالية للمؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية، كونها الأكثر تورطاً في الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت الشعب السوري.

ويُعد إصلاح القضاء أولوية أساسية بهدف تعزيز آليات المساءلة، والحد من الإفلات من العقاب، وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي، وفق خارطة طريق تركز على إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى، وتعديل القوانين الناظمة لاستقلال القضاء، وإلغاء المحاكم الاستثنائية ودمجها في القضاء العادي، وتعزيز الشفافية في تعيين القضاة وترقيتهم، وتحسين ظروفهم المعيشية، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني والجهات الدولية في دعم عملية الإصلاح القضائي.

تُعد العدالة الانتقالية المنهج الأمثل لتحقيق تعافٍ شامل من آثار النزاع، وبناء أسس راسخة لدولة تقوم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة الوطنية، وهو ما يضمن استقراراً دائماً في سوريا، ويعود بمنعكسات إيجابية كثيرة تشمل جميع مناحي الحياة.

شارك