جسر – دمشق (رامي بديوي)
تعتبر صناعة الكتاب من الصناعات المتكاملة في سوريا، حيث تنجز أغلب مراحلها بأيادٍ سورية، الأمر الذي يعتبر حالة نادرة على مستوى الوطن العربي. ورغم الصعوبات التي عانت منها هذه الصناعة، خصوصاً في عهد النظام البائد، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على مكانة مقبولة لها، فبالنسبة لموقع سوريا، فهو يتراوح ما بين المركز الثاني أو الثالث عربياً، أما عالمياً فيعتبر مقبولاً قياساً إلى عدد السكان وعدد الناشرين.
مشاكل تسويقية يعاني منها الكتاب السوري
يقول هيثم الحافظ، رئيس اتحاد الناشرين السوريين، في حديث خاص لصحيفة “جسر”: “لدينا مطابع جيدة ونمتلك مؤلفين ورسامين ومصممين للأغلفة، كما نقدم خدمات ما قبل الطباعة وما بعدها بسوية عالية.. إلا أن مشكلتنا الحقيقية تكمن في التسويق والتوزيع”.
يضيف: “نفتقر إلى شركات احترافية في هذا المجال، الأمر الذي يجعل صناعة النشر تراوح مكانها لأن التسويق ضعيف داخل وخارج البلاد”.
ويقول الحافظ إن الناشرين السوريين يتجهون إلى “المعارض العربية للتسويق عبر مبادرات فردية بعيداً عن الشركات، ما يؤثر سلباً على تطور صناعة النشر في سوريا”.
تأثير الأعوام السابقة على صناعة الكتاب
ألقت الأعوام السابقة بظلالها على صناعة النشر من حيث عدم وفرة المواد الأولية، والضرائب الجائرة، وحتى على مستوى العزلة والقطيعة التي كان يعيشها النظام البائد، الأمر الذي انعكس بدوره على مشاركات الناشرين.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس اتحاد الناشرين السوريين: “كانت لدينا صعوبات كبيرة من حيث الجمارك والشحن والتخليص والطباعة وندرة المواد الداخلة في تطوير هذه الصناعة.. كنا نعيش من 2011 حتى 2024 فترة حرب، وكانت صناعة النشر تحاول أن تجد لها مكاناً في الوطن العربي”.
يتابع بالقول: “من حسن الحظ، لم تتراجع صناعة النشر في سوريا، لكنها لم تتطور قياساً إلى الفترة الماضية. كنا نعاني من مشاكل السفر والتأشيرات، الأمر الذي قلل من فرص المشاركة أمامنا”.
تطلعات إلى التطوير
التحديات التي تواجه صناعة النشر عديدة، أحدها عدم وجود كتاب متميزين بعيداً عن المحسوبيات يحققون عامل جذب في منتجهم الفكري، ما يدفع القارئ إلى اقتناء الكتاب، الأمر الذي ينشط عجلة الإنتاج وينعش دور النشر. وهنا يؤكد هيثم الحافظ أنه “رغم وجود محررين ومترجمين على مستوى جيد، إلا أن صناعة النشر تبحث عن الكاتب المتميز الذي يتمتع بسوية جيدة.. نحن متصدرون في بعض الفئات مثل طباعة المصحف الشريف والكتب الفكرية وكتب الأطفال”.
ويعتبر رئيس اتحاد الناشرين السوريين أن “مساحة الحرية ستكون أكبر، ما يعطي آفاقاً أوسع في الكتابة، الأمر الذي يعيد الألق إلى هذه الصناعة”، مضيفاً أن “الناشرين في سوريا يطمحون إلى وجود شركات توزيع كبرى تساهم وتدعم الرؤية المتميزة للناشر السوري، كما يتطلعون إلى العودة للمشاركة في المعارض العالمية سواء في أوروبا أو حتى في أميركا، إضافة إلى التواجد في المعارض العربية”.
تداعيات كثيرة خلفتها الحرب والنظام البائد على الواقع الثقافي والاقتصادي وعلى صناعة الكتاب، التي أصبحت محفوفة بالمخاطر، سواء من جهة الإنتاج أو من جهة التسويق في ظل حصار اقتصادي وسياسي داخلي فرض حظراً غير معلن على الكتاب السوري، خاصةً إذا كان يتوخى الحقيقة التي غالباً لا تتوافق مع مزاج النظام السياسي الحاكم، والذي فرض سلطته ومواقفه السياسية على دور النشر والطباعة في كل أنحاء سوريا.
ورغم التحديات التي زالت وتلك التي ظلت تواجه صناعة الكتاب في سوريا، يبقى الأمل قائماً في تجاوز الصعوبات والاستفادة من الفرص المتاحة لإعادة النهوض بهذا القطاع المهم. ومع استمرار الجهود المبذولة، يمكن تحقيق تقدم ملموس يعيد للكتاب السوري مكانته التي يستحقها، ليساهم في إثراء المشهد الثقافي والمعرفي في البلاد وخارجها.