جسر – دمشق (هبة شوباش)
شهدت العاصمة دمشق تغييرات كبيرة بعد سقوط نظام الأسد، وكان من أبرز هذه التغيرات انتشار البسطات العشوائية في الشوارع والساحات العامة، وأصبحت هذه البسطات مصدر رزق لعدد كبير من المواطنين، حيث توفر بضائع بأسعار أقل من تلك المعروضة في المحال التجارية، ما جعلها تحظى بإقبال واسع من الناس.
غير أن هذا الانتشار العشوائي أدى إلى تشويه المظهر العام للمدينة، وخلق ازدحاماً مرورياً وفوضى في حركة المشاة، ولذلك، بدأت محافظة دمشق بحملات تهدف إلى إزالة البسطات العشوائية، ضمن خطة لتنظيم المدينة وتحسين صورتها الحضارية.
وتمت مصادرة العديد من هذه البسطات، بما فيها بسطات الصرافة والملابس والمواد الغذائية، الأمر الذي أثار استياء أصحابها، خاصة أنهم لم يتمكنوا من استرجاع ممتلكاتهم بعد المصادرة.
من جهة أخرى، طالب عدد من أصحاب المحال التجارية بإيجاد بدائل للبائعين المتضررين من قرارات الإزالة، مراعاةً لأوضاعهم المعيشية.
واستجابةً لتلك المطالب، اتخذت محافظة دمشق قراراً بتخصيص مواقع بديلة للبسطات المنتشرة عشوائياً، وذلك بهدف تحسين السلامة العامة وتنظيم حركة المرور، وتم تحديد أكثر من عشرة مواقع موزعة في أحياء متعددة من العاصمة، كجزء من خطة متكاملة لتنظيم الأسواق غير النظامية.
كما أعلنت المحافظة عن تخصيص أحد عشر موقعاً إضافياً، مع إعطاء أولوية بنسبة 65 بالمئة لذوي الشهداء ومصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة، بينما تُتاح النسبة المتبقية للمواطنين الراغبين في التقديم للحصول على إشغال نظامي.
بحسب ما صرّح به إبراهيم أبو الخيش، من مديرية الأملاك في محافظة دمشق، فإن هناك مجموعة من الشروط والمعايير التي يجب توفرها للحصول على موقع بسطات ضمن المواقع البديلة.
ومن أبرز هذه الشروط إعطاء الأولوية للفئات المستحقة كذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الشهداء والمصابين بالحرب، وذلك بنسبة تصل إلى 65 بالمئة. كما حددت المحافظة رسوماً رمزية لإيجار هذه البسطات، على أن يتم تقديم طلب رسمي في مبنى المحافظة بمركز خدمة المواطن، ويُرفق هذا الطلب بالوثائق الرسمية المطلوبة.
وأكد أبو الخيش أن لهذه الخطوة فوائد متعددة، تبدأ بتنظيم الحركة المرورية والمشاة من خلال الحد من الفوضى التي تسببها البسطات العشوائية، مما يساهم في تحسين تدفق حركة المرور وسلامة المارة، كما أن توفير أماكن مرخصة للبسطات يعزز من الاقتصاد المحلي، إذ يوفر فرص عمل إضافية خاصة للفئات المهمشة، مما يدعم الدخل الشخصي وينشّط الدورة الاقتصادية في المدينة.
واعتبر أن تخصيص النسبة الأكبر من البسطات للفئات المحتاجة يحقق شكلاً من أشكال العدالة الاجتماعية، إضافة إلى أن إزالة البسطات غير المنظمة يُحسّن المشهد الحضاري ويُسهم في إضفاء طابع جمالي على المدينة. كما أن تنظيم الأسواق بهذه الطريقة يخلق بيئة أكثر أماناً وانضباطاً للبائعين والمستهلكين، ويزيد من الثقة المتبادلة بين الطرفين.
وفيما يتعلق بالمواقع التي تم تخصيصها للبسطات البديلة، فقد شملت أجزاء من كراج صيدنايا، مرآب الصوفانية، السويقة مقابل مكتب دفن الموتى، حي الزهور، نهر عيشة، الزبلطاني، بالإضافة إلى منطقة قرب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتمت مراعاة تخصيص نسبة كبيرة من هذه المواقع للفئات المستحقة كذوي الشهداء والمصابين بالحرب وذوي الإعاقة.
ورغم هذه الخطوات، لا يزال موضوع تنظيم البسطات مثار جدل بين مؤيد ومعارض. فبينما يرى المؤيدون أن تخصيص أماكن نظامية للبسطات سيسهم في تحسين المشهد الحضاري وتقليل الازدحام المروري، وتوفير بيئة عمل أكثر أماناً للبائعين، يعارض آخرون هذه الخطوة معتبرين أن البسطات العشوائية تمثل مصدراً أساسياً للرزق لكثير من العائلات، وأن نقلها أو إزالتها قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية لعدد كبير من الأسر.