جسر – دير الزور (شام الحمود)
في وقتٍ أصبح فيه التراث العربي مهدداً بالاندثار بسبب غياب الوعي بقيمته الحقيقية، يقف إبراهيم سليمان، المعروف بلقب “إبراهيم الجوزة” من أبناء دير الزور، كحارسٍ أمين لهذا الإرث، مكرساً حياته للحفاظ عليه وعدم التفريط به مهما بلغت الإغراءات المالية.
وفي ظل ظروف اقتصادية تدفع البعض لبيع مقتنياتهم التراثية بأي ثمن، يدرك إبراهيم، الذي بلغ الستين من عمره، أن هذه القطع تروي حكايات الأجداد وتختزل روح الماضي، ولذلك فهو يرفض بيعها حتى وإن بلغت قيمتها الملايين.
بالنسبة لإبراهيم، هذه الكنوز التي يقتنيها ليست مجرد أدوات قديمة، بل ذاكرة محفورة في تفاصيل حياته.
متحفٌ داخل المنزل
يعيش العم إبراهيم مع زوجته وأبنائه الثلاثة في منزل جده، الذي يعود إلى حقبةٍ زمنية قديمة، وخصص الطابق العلوي للسكن، بينما حوَّل الطابق السفلي إلى متحفٍ يضم مجموعة مذهلة من القطع التراثية النادرة.
بين دِلال القهوة العربية، والساعات الفرنسية القديمة، والأبسطَة العجمية، وقطع النحاس المحفورة، يتحول المكان إلى نافذةٍ على التاريخ.
يقول العم إبراهيم: “كل قطعة هنا تحكي قصة مختلفة، بعضها ورثته عن جدي ووالدي، اللذين كانا مهووسين بجمع التراث، بينما البعض الآخر بحثت عنه لسنوات طويلة حتى حصلت عليه”.
رحلات بحث حول العالم
لم يكتفِ إبراهيم بجمع القطع التراثية من داخل بلاده، بل سافر إلى عدة دول باحثًا عن كنوز الماضي، حيث زار السعودية للحصول على “منقل نحاسي” نادر مع دِلاله، وسافر إلى قطر لاقتناء “دق ومحماس”، وهما أدوات قديمة لتحضير القهوة العربية.
كما جلب من دمشق قطعاً من خشب الأرابيسك المزخرف، ومن أوروبا اقتنى ساعات فرنسية يزيد وزن الواحدة منها عن 15 كيلوغراماً، وهي نفسها التي تعرض في متاحف عالمية.
أما عن أبرز مقتنياته، فيقول العم إبراهيم بفخر: “أغلى قطعة لديّ ليست بالضرورة الأندر، بل الأقرب إلى قلبي، وهو سيف دمشقي عثماني يعود عمره إلى أكثر من 300 عام”.
إرثٌ للأجيال القادمة
رغم مرور الزمن وتغير الأولويات، لا يزال العم إبراهيم متمسكاً برسالته، وهو يأمل أن يحمل ابنه الوحيد هذا الإرث الثقافي ويحافظ عليه، ليظل شاهدًا على تاريخ الأجداد وحضارتهم العريقة.
يختم العم إبراهيم حديثه قائلاً: “الطريقة الوحيدة التي أقبل بها التخلي عن أي قطعة نادرة، هي استبدالها بأخرى ذات قيمة تاريخية مماثلة”، مؤكداً أن الحفاظ على التراث مسؤولية الجميع، لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية والتاريخ.