تربية الدود.. مشاريع صغيرة في سوريا لأجل الزراعة النظيفة والغذاء الصحي

شارك

جسر – هبة شوباش

أثبتت النساء السوريات خلال السنوات الماضية الصعبة قدرتهن على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بذكائهن وتدبيرهن، حيث حاولن خلق فرص عمل لآلاف النساء وإثبات الذات رغم قلة الإمكانيات. ومن بين هذه المبادرات، تبرز تجربة السيدة محاسن إبراهيم، وهي أول سيدة سورية بدأت بمشروع تربية الدود “الفيرمي كومبوست”.

بداية المشروع وتطويره

بدأت السيدة محاسن بمشروعها قبل عشر سنوات، حيث قضت النصف الأول من هذه المدة في جمع المعلومات اللازمة لإدارته، ثم بدأت بتنفيذه على أرض الواقع في عام 2019 عندما حصلت على نواة صغيرة. وبعد عام واحد فقط، بدأت تلمس النجاح، وركزت جهودها على التكاثر حتى أصبحت تمتلك كميات كبيرة من هذه الديدان.

مع تزايد نجاح المشروع، بدأت العديد من النساء في القرى المجاورة بالتواصل معها للحصول على التدريب في مجال تربية دودة السماد. توسعت هذه المبادرة أكثر فأكثر، فبدأت السيدة محاسن بتنظيم دورات تدريبية لنشر الفكرة، واليوم أصبحت تربية الدود منتشرة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وطيبة الإمام بحماة، ومحلدة وتل سكين، كما قامت بتسميد الفستق السوداني في خان شيخون وأشرفت على مزارع الدود في مختلف المحافظات السورية، بما في ذلك القلمون والناصرية.

أهداف المشروع

تحدثت السيدة محاسن لـ”جسر” عن أهداف المشروع، موضحة أنه يعتمد على تحويل المخلفات العضوية مثل بقايا الخضروات والفواكه والمخلفات الزراعية وأوراق الأشجار والمخلفات الحيوانية بعد تخميرها، إلى سماد طبيعي عبر تغذيتها للدود.

وأشارت إلى أن 90% من أمراض السرطان ناتجة عن المبيدات الكيميائية والأسمدة الصناعية التي تلوث التربة والمحاصيل، وهو ما يجعل الفيرمي كومبوست بديلاً صحياً ومستداماً.

فوائد دود “الفيرمي كومبوست”

يتميز السماد الناتج عن دودة الأرض بعدة مزايا، منها:

– احتواؤه على بكتيريا مفيدة تعزز صحة التربة.
– إمداده النباتات بالعناصر الغذائية ببطء، مما يجعلها متاحة وقت الحاجة.
– احتواؤه على نسبة عالية من الهيوميس الضروري لنمو النباتات.
– إذابة عناصره الغذائية في الماء، مما يسهل امتصاصها دون الحاجة إلى وسيط.
– غناه بالهرمونات النباتية التي تعزز نمو الجذور، والنمو الخضري، وزيادة التزهير.
– احتواؤه على مضاد حيوي طبيعي، مما يزيد من مقاومة النباتات للأمراض ويقلل من استخدام المبيدات بنسبة تصل إلى 75%، وهو ما يعني توفير التكاليف وتحسين جودة المحاصيل.
-تحسينه التربة بشكل تراكمي، حيث يعيد إليها الأحياء الدقيقة المفقودة، مما يجعل نتائج استخدامه أفضل مع مرور الوقت.

تجارب دولية في تربية الدود

نجاح مشروع تربية الدود لم يقتصر على سوريا، بل هناك العديد من التجارب العالمية التي أثبتت فعاليته، منها:

التجربة الكوبية (1986): خلال الحصار الأمريكي، اعتمدت كوبا على دودة السماد وتمكنت من إنتاج أكثر من 100 ألف طن سنوياً من الفيرمي كومبوست.

دراسات منظمة الأغذية والزراعة (1995): شملت الفلبين وكوبا والهند، حيث ساعدت على نشر أفضل طرق تربية دودة السماد وتحليل تأثير السماد الناتج على نمو المحاصيل.

التجربة البرازيلية الحديثة: تعتمد البرازيل على نظام الزراعة بدون حراثة في 26 مليون هكتار، مستفيدة من دور الديدان في تحسين التربة وزيادة الإنتاجية.

أستراليا، الولايات المتحدة، وبريطانيا: تعتبر هذه الدول من رواد القطاع الخاص في إنتاج الفيرمي كومبوست، حيث يساهم في تحقيق زراعة نظيفة ومستدامة.

الجمعيات الأهلية في بريطانيا: تهدف إلى التعريف بفوائد دودة السماد ودعم المزارعين ببرامج مجانية لتعزيز استخدامها.
الواقع العربي والحاجة إلى الدعم

وبالتأكيد، فإن مشروع تربية الدود “الفيرمي كومبوست” نموذجاً ناجحاً للابتكار الزراعي، حيث يجمع بين الاستدامة البيئية والجدوى الاقتصادية. وقد أثبتت السيدة محاسن إبراهيم، من خلال جهودها في نشر هذا المشروع في سوريا، أن الزراعة النظيفة ليست مجرد فكرة، بل ضرورة لتحقيق إنتاج غذائي صحي وتقليل التلوث البيئي.

حالياً، تنتشر تربية دودة السماد في عدة دول عربية، منها سوريا، مصر، والعراق، ودعم هذه المشاريع سيساهم في إعادة تدوير النفايات العضوية، وتحسين جودة التربة، وتقليل البطالة، مما يفتح المجال أمام مستقبل زراعي أكثر استدامة في العالم العربي.

شارك