خريجون سوريون بمواجهة البطالة.. في المقاهي والبسطات وبأجور ضئيلة

شارك

جسر – نهى قنص

مع تزايد أعداد خريجي الجامعات والمعاهد سنوياً في سوريا، يواجه سوق العمل تحدياً كبيراً في استيعابهم، إذ يعاني آلاف الخريجين الشباب من البطالة، وتبقى شهاداتهم وخبراتهم حبيسة الأدراج أو معلقة على الجدران بعد سنوات من الدراسة والجد والاجتهاد، على أمل الحصول على وظيفة تؤمن لهم دخلاً شهرياً وراتباً تقاعدياً في المستقبل.

وينتظر الكثير من الخريجين والخريجات مسابقات التوظيف، بينما يعمل البعض الآخر في مهن خاصة بأجور زهيدة، في ظل استغلال أصحاب العمل لهم دون مراعاة لأوضاعهم.

منير سلامة، خريج معهد تجاري مصرفي، أوضح لـ”جسر”، أنه بعد سنوات من الانتظار لم يجد عملاً بشهادته، فلجأ للعمل في مقهى براتب لا يكفي أجور المواصلات، متأملاً زيادة الأجر مستقبلاً.

أما عبد الرحمن، خريج كلية الهندسة المدنية منذ عامين، فلم يتمكن من الحصول على وظيفة حكومية، فاختار العمل على “بسطة” لضمان دخل يومي دون الحاجة إلى طلب المساعدة من الآخرين، داعياً إلى الاهتمام بالكفاءات العلمية في سوريا.

ليال مهنا، شابة تخرجت من كلية التربية منذ أكثر من خمس سنوات، لكنها لم توفق في مسابقات التوظيف بسبب غياب “الواسطة”، ما دفعها للعمل في روضة خاصة بأجر لا يتناسب مع المجهود المبذول، منتقدة طرق التوظيف التي تفتقد للمصداقية وتعزز الفساد.

واقع البطالة في سوريا

تحدث الخبير الإداري والاقتصادي الدكتور عبد الرحمن تيشوري عن واقع البطالة في سوريا، مشيراً إلى أن نسبة العاطلين عن العمل تتراوح بين 30 – 40% من قوة العمل، وهي من أعلى النسب في العالم. وأوضح أن أكثر من 200 ألف شخص ينضمون سنوياً إلى سوق العمل، مما يشكل تحدياً للحكومة.

وأشار تيشوري خلال حديثه لـ”جسر”، إلى أن سوق العمل السوري يعاني من تشوهات كبيرة، حيث لا تقوم الشركات والفعاليات الاقتصادية بشراء خدمات العمل، مما يؤدي إلى نزيف كبير للقدرات البشرية وهجرة الكفاءات خارج البلاد.

أسباب البطالة

أرجع تيشوري أسباب البطالة إلى التعيين العشوائي، والسياسات الاقتصادية والأمنية الخاطئة، إضافة إلى انتشار البطالة المقنعة في مؤسسات القطاع العام، حيث توجد أعداد كبيرة من العمالة الزائدة عن الحاجة الفعلية، مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية وانتشار الفساد. ونتيجة لذلك، وصلت الأجور في سوريا إلى أدنى مستوياتها عالمياً، حيث يعمل السوري بمتوسط 20 – 25 دولاراً شهرياً.

وانتقد الخبير الاقتصادي سياسات الحكومة الحالية في قطع الرواتب الضئيلة عن بعض الموظفين وفصل أعداد كبيرة منهم، معتبراً أن هذا الإجراء خطأ كبير في ظل الظروف الراهنة، مشدداً على “ضرورة إعادة هيكلة مؤسسات الدولة دون اللجوء إلى الفصل التعسفي، بل من خلال توفير فرص عمل جديدة ومشاريع تستوعب العمالة الزائدة”.

أضرار البطالة.. وحلول مقترحة

حذر تيشوري من الأضرار والمخاطر الكبيرة للبطالة على الأفراد والمجتمع والاقتصاد، مؤكداً أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية.

وقدم مجموعة من الحلول للتخفيف من البطالة، منها:

– تطبيق نظام العمل الجزئي (نصف العمل بنصف الأجر، أو ثلث العمل بثلث الأجر).
– إعادة العمل بالإجازات الساعية ومنح العاملات إجازات بلا راتب.
– تخفيض سن التقاعد إلى 55 عاماً لفتح المجال أمام الخريجين الجدد.
– تدخل الدولة عبر النفقات العامة والموازنات والقروض لإنشاء مشاريع جديدة تدعم النمو الاقتصادي.
– وضع استراتيجية شاملة للتنمية البشرية المستدامة، وتفعيل العمالة السورية، وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
– استثمار خريجي المعهد الوطني للإدارة الذين تم تهميشهم في ظل النظام السابق.

تظل البطالة في سوريا من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد والمجتمع، حيث يعاني آلاف الخريجين من صعوبة دخول سوق العمل، في ظل غياب فرص حقيقية وضعف آليات التوظيف، ويبقى الحل في محاربة الفساد وتبني سياسات اقتصادية جديدة، وإعادة هيكلة سوق العمل، ودعم المشاريع التنموية التي تستثمر في الطاقات الشابة، لتجنب كارثة اجتماعية وسياسية قد تتفاقم أكثر مع مرور الوقت.

شارك