رمضان دمشق بعد سقوط الديكتاتور.. حرية وروحانية مع ضغوط اقتصادية خانقة

شارك

جسر – دمشق (عبد الله الحمد)

في أول رمضان بعد سقوط نظام بشار الأسد، شهدت سوريا، ولا سيما العاصمة دمشق، تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة، فقد عاش المواطنون في دمشق هذا الشهر الفضيل لأول مرة منذ عقود بحرية كاملة، بعيداً عن مراقبة أجهزة المخابرات، مما منحهم شعوراً بالراحة النفسية والطمأنينة، ولكن ومع هذه المشاعر الإيجابية، ظهرت تحديات اقتصادية ملحوظة، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع غير مبرر في الأسعار وسط ضعف القدرة الشرائية، مما يظل يشكل عبئاً كبيراً على حياتهم اليومية.

إقبال الشباب على طقوس العبادة والمساجد

منذ سقوط حكم الأسد، يحرص العديد من الشباب على أداء فريضة صلاة الفجر في المساجد، والبقاء فيها لممارسة العبادات حتى شروق الشمس، وقد ازداد عدد الشباب المقبلين على هذه العبادة الهامة والأساسية في هذا الشهر، بالإضافة إلى صلاة التراويح.

يقول شادي، طالب جامعي (21 عامًا): “لم نكن نجرؤ على القيام بذلك سابقاً، بسبب انتشار عناصر المخابرات في الطرقات، خصوصاً في هذه الأوقات، فقد يحتجزونك وتختفي بسبب حقدهم على الناس التي تذهب إلى المساجد، خصوصاً الفجر والعشاء. أما الآن فنذهب ونحن مطمئنون”.

من جانبه، يقول الشيخ يوسف المصري، خطيب وإمام جامع عبدالله بن العباس بحي مساكن برزة، وهو ثاني أكبر مساجد العاصمة: “كل شيء تحسَّن بعد سقوط المجرم بشار الأسد، وتغيرت حتى ممارسة الطقوس الدينية والروحانية في شهر رمضان لهذا العام. فمخابرات نظام الأسد كانت تُضيِّق على المصلين، من خلال تعليماتها بافتتاح المساجد قبل 5 دقائق من الصلاة، وإغلاقها بعد 15 دقيقة من انتهائها، مع مراقبة الشباب الذين يرتادونها بشكل كبير”.

يضيف: “كثيرون من المصلين اختفوا بسبب المخبرين الذين كانوا يُزرعون لمراقبة دور العبادة وحلقات تعلم القرآن الكريم”.

منغصات اقتصادية

رغم بركة الشهر وروحانيته، يُعكر استمرار تردي الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار الحالة العامة. الأسواق تشهد توفر معظم المواد، لكن الانكماش هو سيد الموقف بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، على الرغم من انخفاض معظم أسعار المواد الغذائية بنسب تتراوح بين 30 و50 في المئة مقارنة مع رمضان الماضي.

في سوق باب سريجة الدمشقي الشهير، يسمع الباعة يصرخون بعبارة “وين الناس”، تعبيراً عن ضعف الإقبال على الشراء.

رامز، شاب يملك بسطة لبيع حلويات الناعم الرمضانية الشهيرة، يقول: “رغم انخفاض الأسعار لا يوجد إقبال على الشراء، نبيع الكيس (3 أرغفة) بـ15 ألفاً، وقلة من يشترون لأنه لا سيولة مع الناس”.

أما مروان، موظف حكومي، فيؤكد أن هناك راحة نفسية هذا رمضان بعد سقوط النظام الظالم، وأن كل شيء متوفر بأسعار أرخص، لكن المشكلة تبقى في غياب المال: “إذا أردت إفطار (أكلة مرتبة) أنا وعائلتي، فإنني بحاجة 200 ألف ليرة سورية، والراتب 400 ألف.. الراتب لا يكفي لثمن الخبز (سعر الربطة 12 رغيفاً 4 آلاف ليرة)، إضافة إلى المواصلات المكلفة”.

وارتفعت أسعار معظم الخضروات بشكل خيالي خلال رمضان، حيث يصل سعر الخس الجيد إلى 8 آلاف ليرة، وكيلو الكوسا إلى 20 ألفاً، والخيار إلى 12 ألفاً، والبندورة إلى 7 آلاف، بينما البطاطا تباع بـ3500 ليرة.

فهد، موظف حكومي ورب أسرة، يقول بحسرة: “أحياناً أشتري بطاطا وكم بيضة للإفطار، وأحياناً شوربة عدس.. لولا أهل الخير لكانت عائلتي جاعت. رمضان كريم والله يكثر المحبين”، مضيفاً أن الارتفاع الجنوني في أسعار الخضار في هذا الشهر “ليس له مبرر سوى الجشع”.

راغد، موظف حكومي ورب أسرة، يتنهد عند سؤاله عن الوضع المعيشي، متمنياً من الحكومة أن تفي بوعودها بزيادة الرواتب 400 في المئة، قائلاً: “تعبنا كثيرًا.. غياب التموين والرقابة في هذا الشهر جعل أسعار الخضار مجنونة، فلا يوجد ردع للتجار الذين استغلوا هذا الشهر وتحكموا بأسعار الخضار”.

ورغم انخفاض أسعار اللحوم والفروج، لا يزال الإقبال على الشراء منخفضاً جداً، ويقول أبو كاسم، صاحب محل لبيع لحم الغنم والعجل: “الإقبال متوسط، لكن الشراء يتم بكميات قليلة، والأغلبية تطلب أوقية (200 غرام)، وبعضهم نصف أوقية، أما كيلو أو نصف كيلو فطلبه قليل جداً”.

ويضيف: “أسعار اللحم والفروج نزلت، لكن الناس لا تملك مصاري، والعالم تعيش على الحوالات. لذلك انخفض البيع”.

يبقى شهر رمضان في دمشق وبقية المدن السورية، رغم التحديات الاقتصادية التي ما زالت تؤثر على حياة المواطن، من أكثر الفترات التي تحمل في طياتها الأمل والطمأنينة، فغياب النظام الاستبدادي جعل من هذا الشهر مناسبة للراحة النفسية والروحانية، بعد سنوات طويلة من القمع والاضطهاد.

شارك