جسر – عبد الله الحمد
بعثت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية، في أول زيارة له خارج حدود الدولة عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، رسائل هامة وعلى أكثر من مستوى.
وجاءت هذه الزيارة بعد إعلان الإدارة السورية الجديدة تعيين القائد الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، إلى جانب قرارات مفصلية أخرى، مثل حل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية، إضافة إلى إلغاء العمل بدستور عام 2012 الذي فصله بشار الأسد على مقاسه.
استقبال رسمي في الرياض
ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الرئيس أحمد الشرع بدأ الأحد زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، حيث التقى في قصر اليمامة بالرياض بصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي.
من جانبها، أوضحت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن اللقاء تناول مستجدات الأحداث في سوريا والسبل الرامية لدعم أمنها واستقرارها. كما تم مناقشة أوجه العلاقات الثنائية وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، إضافة إلى استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة بشأنها.
دلالات زيارة الشرع إلى السعودية
يرى الإعلامي والمحلل السياسي الدكتور أحمد الكناني أن اختيار المملكة كوجهة بعد زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يعكس رغبة الرئيس الشرع في تحقيق توافق عربي قوي، وهو ما يعد أساسياً لاكتساب الشرعية الدولية.
ويؤكد الكناني خلال حديثه لـ”جسر” أن “التوافق مع السعودية يدفع إلى تحريك الدور الخليجي بشكل أكبر، خاصة أن الرياض تقود المسار الخليجي ككل”.
وأشار إلى أهمية العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، والتي يمكن أن تسهم في “دعم بعض الملفات السورية المهمة، مثل رفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق ورفع قادة هيئة تحرير الشام من لوائح الإرهاب، خصوصاً أن بعضهم أصبحوا جزءاً من الإدارة الجديدة”.
أهداف دمشق من التقارب مع الرياض
أكدت رئاسة الجمهورية السورية أن الرئيس الشرع لمس خلال زيارته رغبة حقيقية في دعم سوريا لبناء مستقبلها، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها. كما أشار الرئيس إلى أن الاجتماع ناقش رفع مستوى التعاون في المجالات الإنسانية والاقتصادية، خاصة في الطاقة والتكنولوجيا والتعليم والصحة، بهدف تحقيق شراكة حقيقية تعزز الاستقرار في المنطقة وتحسن الواقع الاقتصادي للشعب السوري.
يرى الكاتب الصحفي عبدو زمام أن الزيارة تحمل مدلولات سياسية واقتصادية واسعة، بدءاً من تعزيز شرعية إدارة دمشق الجديدة، وصولاً إلى تأمين دعم اقتصادي مهم، مشيراً إلى أن المكانة الإقليمية والدولية للمملكة ستعزز التحركات السياسية السورية، لا سيما في الساحة الخليجية.
وأضاف زمام أن “الموقع الجيوسياسي لسوريا يمنحها القدرة على استقطاب الدول ذات التأثير الإقليمي، ومن بينها السعودية”، مشدداً على أن الإدارة السورية الجديدة إذا أحسنت استغلال هذه الفرصة، فسيكون لذلك انعكاسات إيجابية متعددة المستويات.
الهوى السعودي
الرئيس أحمد الشرع كان قد صرّح منذ نحو شهر قائلاً: “أشعر بالهوى تجاه السعودية”، مشيراً إلى نشأته في الرياض، مما يعكس رؤيته للعلاقة بين دمشق والرياض.
إضافة إلى ذلك، تحدث وزير خارجيته أسعد الشيباني خلال مناظرته مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عن أن القيادة السورية الحالية “تستلهم سوريا الجديدة من رؤية السعودية 2030″، وهو ما يعكس توجهاً سياسياً واقتصادياً متقدماً في العلاقة بين البلدين.
يشير الباحث السياسي حمزة الحاج إلى أن العلاقات السورية-السعودية تكتسب زخمها من الثقل العربي والإسلامي والدولي الذي تمثله المملكة، إضافة إلى الدعم الاقتصادي والمساهمة في إعادة الإعمار.
كما يؤكد الحاج أن “الرياض يمكن أن توفر شبكة أمان سياسية واقتصادية لسوريا، بما يعزز استقرارها بعد عقود من سياسات نظام الأسد التخريبية، التي تضمنت تصدير الإرهاب والمخدرات والنزاعات الإقليمية”.
تمثل هذه الزيارة نقطة تحول في تاريخ سوريا الحديث، حيث تعزز العلاقات على أساس مصلحة الشعب السوري، بما ينعكس إيجاباً على المنطقة ككل، كما تبرز أهمية التعاون العربي في تحقيق الاستقرار، إلى جانب الحاجة الماسة للدعم الاقتصادي والتنموي، وإعادة التموضع الدولي لسوريا الحرة.