جسر – علي الأحمد
لأكثر من 14 عاماً انقطعت أواصر التواصل بين دمشق وأنقرة على جميع الأصعدة، بسبب سياسات عنجهية اتبعها النظام السابق. تلك السياسات التي لم تترك لسوريا صديقاً ولا حليفاً، وضيقت الحصار على الشعب السوري الذي عانى ما عاناه بسبب نظرية “المؤامرة العالمية” التي حاول بشار الأسد وحلفائه تسويقها للشعب السوري، موهماً إياه أن العالم كله ينوي إذلال الشعب السوري ونهب مقدراته.
منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد لمس الشعب تحسناً طفيفاً في واقعه المعيشي، فأصبح يرى كل ما حرم منه لسنوات من وقود ومواد أساسية أخرى تفترش الطرقات بأسعار أقل مما كانت عليه في عهده، ولا تزال في انخفاض مستمر مع توالي الأيام وزيادة الاستقرار التدريجي الحاصل.
بدء انفراج اقتصادي
لا يزال الشعب السوري يعيش حالة من الترقب لانفراج اقتصادي كبير ينسيه سنوات طويلة من الشقاء والألم، ولعل زيارة وفد من رجال الأعمال الأتراك من مدينة قونيا إلى غرفة التجارة والصناعة في حلب يشكل باكورة انطلاق اقتصادي مشترك بين سورية وتركيا، حيث بحث الطرفان فرصَ الاستثمارِ والتعاون بين البلدين.
رئيسُ غرفةِ تجارة حلب “إبراهيم بديوي” خلال الاجتماع قدم عرضاً شاملاً عن واقع النشاط التجاري في المدينة، مشيراً إلى أن سوريا عموماً، وحلب خصوصاً، ترحبُ بكل من دعم الشعب السوري ووقف إلى جانبه خلال الأوقات العصيبة.
واعتبر أن زوال الحقبة الأسدية قد أزالت معها كل القيود المفروضة على التجار والصناعيين، وستفتح المجال لإعادة الإبداع الحلبي الذي يعرفه العالم.
في ذات السياق أعرب الجانبان السوري والتركي عن التزامهما بمواصلة الجهود لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مؤكدين أهميةَ مدينة حلب باعتبارها العاصمة الاقتصادية لسوريا ودورَها المحوري في تعزيز التعاون المشترك.
عبد القادر آرس، رجل الأعمال التركي، في تصريح خاص لصحيفة (جسر) قال: “نحن في تركيا نترقب منذ 14 عاماً تحرير سوريا، لأننا ندرك أن سوريا عامة وحلب خاصة تمتلك كل المقومات المادية والبشرية لإنتاج صناعي مميز، ليس من شأنه فقط ملء الأسواق المحلية والتركية، إنما قادر على غزو الأسواق الأوروبية. ولكن أدوات النظام السابق حالت دون هذه الشراكة”.
سوريا الجديدة تتعافى
الكثير من الدراسات أكدت أن اقتصاد سوريا انكمش بنسبة 85% خلال ما يقرب من 14 عاماً من الحرب بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 67.5 مليار دولار في ذات العام إلى 8.98 مليار فقط في 2023، بحسب تقديرات البنك الدولي.
بالتأكيد، التعافي الاقتصادي أمر بالغ الأهمية لاستقرار سوريا، فبدون ذلك، ستزداد الإحباطات بسبب الظروف المعيشية والخدمات، كما أنه أساسي لعودة اللاجئين من لبنان والأردن وتركيا، التي واجهت تحدياتها الخاصة بسبب الأزمة.
وتعتبر الشراكة الاقتصادية السورية التركية أهم مرحلة لهذا التعافي، فهذه الشراكة عمرها سنوات طويلة وأثمرت عالمياً قبل عام 2011. وتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين تركيا وسوريا سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.
تفاؤل بالمرحلة الاقتصادية المقبلة
اتحاد المصدرين في منطقة جنوب شرق الأناضول يرى أن المرحلة المقبلة ستكون غنية بفرص اقتصادية غير مسبوقة، تدعم التنمية الإقليمية وتفتح آفاقاً جديدة أمام المصدرين والمستثمرين في كلا البلدين.
تشير بيانات الاتحاد إلى أن حجم الصادرات من المنطقة إلى سوريا قبل الثورة في عام 2010، كان نحو 224.3 مليون دولار، بينما ارتفع إلى 594.5 مليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2024.
ولا يُخفي المصدرون تفاؤلهم بشأن التأثير الإيجابي للتغيرات الأخيرة في سوريا على الصادرات الإقليمية.
مقدمات لانفتاح تجاري بين البلدين
وزير التجارة التركي عمر بولات وخلال زيارة تفقدية أجراها إلى بوابة جيلفاغوز الحدودية مع سوريا في منطقة ريحانلي بولاية هاتاي، قال إن “حقبة جديدة بدأت في سوريا بعد 8 كانون الأول الماضي بسقوط نظام الأسد. لدينا حالياً 8 بوابات ومديريات جمركية ضمن حدودنا التي يبلغ طولها 910 كيلومترات، و3 منها عاملة، واحدة منها في ولاية هاتاي وجيلفاغوز، حيث نحن الآن، كانت أهم بوابة لتركيا إلى سوريا والشرق الأوسط”.
فرص استثمارية جديدة لرجال الأعمال الأتراك في سوريا ستتاح خلال الأيام القادمة، وسط انفتاح كبير ومدعوم من الإدارة السورية الجديدة، فتركيا تمتلك الخبرات والقدرات لتحقيق نجاحات تجعلها مؤهلة للعب دور محوري في إعادة بناء سوريا.