جسر – دمشق (عبد الله الحمد)
تشهد شوارع العاصمة دمشق انتشاراً واسعاً لظاهرة البسطات، حيث يمكن ملاحظة الباعة يعرضون مختلف أنواع البضائع، بدءاً من الألبسة المستعملة (البالة)، والمواد الغذائية، والدخان، والمحروقات، والخضار والفواكه، وحتى الصرافة، في ظل غياب أي معلومات موثوقة حول مصادر هذه المنتجات ومدى صلاحيتها للاستهلاك.
لم تكن هذه الظاهرة جديدة على دمشق، لكنها كانت في السابق خاضعة لنظام “الفوضى المنظمة”، حيث كان تشغيل البسطات يتم بإشراف شخصيات مرتبطة بمؤسسات النظام، وتُخصص لأفراد مقربين من أجهزة المخابرات، وكان أصحاب البسطات مضطرين لدفع إتاوات يومية لضباط الجيش أو الأمن أو الشرطة لاستمرار عملهم، في ظل تفشي الفساد في مؤسسات الدولة.
ويرى الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي همام طبلية أن “دمشق شهدت بعد سقوط النظام انفتاحاً غير منظم في انسيابية السلع، ما أدى إلى زيادة تدفق المواد المهربة في الأسواق، خاصة في ظل تعطش المواطنين لهذه السلع بسبب ضعف الدخل ورخص الأسعار”.
من جانبه، أبدى أحد أعضاء جمعية حماية المستهلك -الذي فضل عدم ذكر اسمه- قلقه من طريقة عرض المواد الغذائية على البسطات، حيث تكون في الغالب غير صالحة للاستهلاك، ولا يُعرف مصدرها، وأوضح أن “هذه المواد لا تخضع لرقابة الجمعية ولا يتم فحصها صحياً.. هيئة المواصفات القياسية السورية مسؤولة عن الكشف على المواد الغذائية، إلا أن أغلب البضائع المنتشرة غير نظامية، ما يجعل مهمة الرقابة شبه مستحيلة”.
في السياق ذاته، أكدت الباحثة الاقتصادية والإعلامية كوثر صالح أن انتشار المواد المهربة على البسطات تفاقم بشكل كبير، ما يجعل مراقبتها صعبة بسبب اتساع رقعة انتشارها، خاصة في ظل العدد المحدود من المراقبين.
وتعتبر كوثر صالح أن انتشار البسطات هو “انعكاس مباشر للبطالة المقنعة التي تعيشها سوريا، خصوصاً في العاصمة دمشق، حيث أدى الوضع الاقتصادي المتدهور إلى تسريح عدد كبير من الموظفين، وضعف الدخل، وتأخير الأجور، وتسرب عناصر الجيش والشرطة”.
وأضافت أن “العديد من المواطنين اضطروا للبحث عن عمل بديل أو إضافي، مع توقف الإنتاج في معظم المصانع نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج، ونقص خدمات البنية التحتية، خصوصاً الكهرباء والغاز، ما تسبب في إغلاق العديد من المعامل أو توقفها بشكل شبه كامل”.
في السياق نفسه، يشير الإعلامي الاقتصادي همام طبلية إلى أن “أغلب الشباب والخريجين الجدد اتجهوا إلى العمل في البسطات لعدم وجود فرص عمل نظامية تستوعبهم، خاصة أن هذا العمل لا يحتاج إلى رأس مال كبير”.
وحذّر طبلية من أن “استمرار هذه الظاهرة يضر بالاقتصاد الوطني، حيث أصبح استيراد البضائع أرخص من تصنيعها محلياً، ما يهدد المنتج المحلي ويفاقم الأزمات الاقتصادية”.
وفيما يطالب البعض بإزالة البسطات وتنظيم الشوارع وإخلاء الأرصفة، يرى آخرون أن هذه الظاهرة مؤقتة ولن تستمر طويلاً، داعين إلى تنظيم عمل البسطات من خلال إيجاد أماكن مخصصة لها، مع فرض رقابة صحية صارمة على المنتجات المعروضة، حفاظًا على الصحة العامة ودعمًا للاقتصاد المحلي.