جسر – هبة الشوباش
قبل سقوط نظام الأسد، كانت عمليات التنقيب عن الآثار تتم بشكل غير قانوني في بعض الأحيان، وغالباً تحت غطاء رسمي أو بتغاضٍ من السلطات. كما أن النظام السابق كان يستفيد من هذه العمليات بشكل غير مباشر عبر شبكات فاسدة مرتبطة ببعض أجهزة الأمن، مما أدى إلى تهريب العديد من القطع الأثرية خارج البلاد، وقد أثرت هذه الممارسات بشكل كبير على التراث الثقافي السوري وأدت إلى فقدان العديد من القطع الأثرية القيمة.
بعد سقوط النظام في سوريا، انتشرت ظاهرة التنقيب غير الشرعي عن الآثار بشكل كبير، مما أدى إلى تدمير المواقع الأثرية وتهريب القطع الأثرية خارج البلاد. هذه العمليات غالباً ما كانت تتم تحت حماية شخصيات متنفذة وضباط في الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، مما جعل استرداد القطع المسروقة أمراً معقداً.
الفراغ الأمني الذي نتج عن سقوط النظام ساهم في تفاقم هذه الظاهرة، حيث أصبحت أجهزة البحث عن الآثار والذهب متاحة بشكل واسع، وشهدت إقبالاً كبيراً من المواطنين في مناطق مختلفة مثل حمص وريف دمشق والمناطق الجنوبية.
جهود دولية لحماية الآثار في سوريا
هناك جهود دولية متعددة لحماية الآثار السورية التي تعرضت للدمار والنهب خلال سنوات النزاع. على سبيل المثال، أنشأت منظمة اليونسكو مرصداً في بيروت لرصد وتقييم حالة التراث الثقافي في سوريا، بهدف مكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار وترميم المواقع المتضررة، كما أصدرت قائمة حمراء عاجلة للممتلكات الثقافية السورية المعرضة للخطر، لتسهيل عمل الجهات المعنية بحمايتها.
وتم تشكيل فرق عمل خاصة تضم خبراء وأكاديميين من مختلف الدول، بهدف وضع استراتيجيات لحماية التراث الثقافي السوري وإعادة تأهيله بعد انتهاء النزاع، وتم تعزيز التعاون مع دول الجوار لمنع تهريب الآثار السورية واستعادتها، وذلك من خلال تدريب ضباط الشرطة والجمارك ورفع مستوى وعيهم حول أهمية حماية التراث الثقافي.
تعكس هذه الجهود التزام المجتمع الدولي بحماية التراث الثقافي السوري، الذي يمثل جزءاً من الهوية الإنسانية المشتركة اليوم.
كيف يتم التنقيب عن الآثار في سوريا بعد سقوط النظام؟
بعد سقوط النظام في سوريا، تفاقمت ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار بشكل كبير نتيجة الفوضى الأمنية وغياب الرقابة الحكومية، وهذه العمليات تؤدي إلى تدمير التراث الثقافي السوري وتهريب القطع الأثرية إلى الخارج، حيث تُباع في السوق السوداء.
بعض الجهات المتنفذة كانت تستغل الوضع الأمني المتدهور لحماية عمليات التنقيب غير الشرعية، مما أدى إلى تهريب العديد من القطع الأثرية خارج البلاد، خاصة إلى أوروبا وتركيا، كما أن استخدام معدات الكشف عن المعادن والآليات الثقيلة أثناء التنقيب يسبب أضراراً كبيرة للمواقع الأثرية، بما في ذلك تدمير الطبقات التاريخية وطمس المعلومات المهمة.
كما انتشرت بشكل غير مألوف عبر صفحات “فيسبوك” إعلانات تروج لأجهزة ومعدات مخصصة للكشف عن المعادن والآثار لزوم عمليات التنقيب، وهذا مؤشر يدل على وجود سوق سوداء نشطة لهذه المعدات في سوريا.
وكانت قد أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف سابقاً ترحيبها وفتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا، وذلك بعد سقوط النظام البائد، كما دعت المديرية كل من يستطيع مد يد العون إلى إعادة تفعيل العمل الأثري في المواقع الأثرية، بما يساهم في صون وحفظ التراث، الذي هو ملك الشعب وتتوارثه الأجيال.
مناشدات الأهالي لحماية المواقع الأثرية
ناشد المواطنون، وخاصة في المناطق الريفية، السلطات الجديدة اتخاذ تدابير أمنية أكثر فعالية وإنشاء فرق خاصة لمراقبة المواقع الأثرية ومنع التعدي عليها، وتفعيل جهود دولية ومحلية لاستعادة القطع المسروقة.
وبحسب مصادر لصحيفة “جسر”، تم التنقيب عن الذهب في منطقة دير علي الواقعة في ريف دمشق، وهي منطقة ذات أهمية أثرية وتحتوي على مواقع رومانية قديمة وآثار تاريخية.
التنقيب عن الآثار في هذه المنطقة شهد نشاطاً ملحوظاً، خاصة خلال فترات النزاع، حيث تم استهداف المواقع الأثرية من قبل مجموعات غير شرعية بهدف استخراج الكنوز والحلي والذهب المدفون في القبور الرومانية.
في ظل هذا الواقع المعقّد، تبقى حماية التراث السوري مسؤولية ملحّة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية، ليس فقط لحفظ ما تبقى من كنوز حضارية، بل أيضاً لإعادة الاعتبار لهوية شعب طالما كان شاهداً على تعاقب الحضارات.
وبينما تنشط الأسواق السوداء وتنخر أدوات النهب في ذاكرة البلاد، يبقى الأمل معقوداً على وعي مجتمعي أكبر، وإرادة سياسية جادة، واستراتيجيات ترميم متكاملة، تعيد للتراث السوري مكانته التي يستحقها في ذاكرة الإنسانية.