جسر – دمشق (عبد الله الحمد)
بمشاعر مختلطة ومختلفة تجمع بين الحذر والترقب والتفاؤل بنفس الوقت، يدخل السوريون العام الجديد، خصوصاً أن السمة والعنوان الأبرز والعريض لهذا العام هو “سوريا بدون الأسد”، ففي الثامن من كانون الأول عام 2024 استطاعت إدارة العمليات العسكرية فرض سيطرتها على العاصمة دمشق بعد أيام من السيطرة على مدن أخرى، لينهوا بذلك 61 عاماً من حكم نظام حزب “البعث” البائد و53 سنة من حكم عائلة “الأسد” التي أذاقت السوريين الويلات.
وبظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة عاش بها أبناء سوريا لعقود من الزمان، فرض على حياتهم وأمانيهم محددات لم يستطيعوا تخطيها لأكثر من نصف قرن، ومع إزاحة الغطاء عنها، بدأت أحلام السوريين مع عام 2025 تتجدد، خصوصاً أن ما كان يبدو مستحيلاً منذ عقود بات اليوم واقعاً.
الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أكد في حديث خاص لصحيفة “جسر” أن “طموحات السوريين اليوم بصراحة وبعد المعاناة الكبيرة لسنوات من إذلال الناس واخضاعهم تتلخص في قليل من الطعام وقليل من الدفء وقليل من الكهرباء وقليل من الأمان، فأحلامنا اليوم باتت بسيطة، وهي تأمين أهم متطلبات العيش الكريم”.
وبتفاؤل كبير، بيّن يوسف أنه “خلال الفترة القصيرة الماضية وبعد تحرير سوريا من طغمتها الحاكمة، قامت إدارة البلاد الجديدة بتأمين أهم المستلزمات المعيشية بدون إذلال وكانت في متناول الجميع، ما يعطي جرعة أمل للتحسن في الأيام القادمة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وهذا جلُ ما يتمناه السوريون اليوم”.
كما أشار يوسف إلى أنه “بنفس الوقت يجب عدم المبالغة بالتوقعات بسبب الإرث الثقيل الذي ورثته الإدارة الجديدة من النظام السابق، ما جعل الاقتصاد متهالكاً نتيجة لتدميره للصناعة والتجارة وموارد الطاقة”.
بدوره قال الدكتور أحمد الكناني المدرس في كلية الإعلام بجامعة دمشق لصحيفة “جسر” إن “الشعب السوري اليوم يطمح بأن تحمل السنة الجديدة الرفاه والتبدلات الاقتصادية الواضحة وأن تنعكس على قدرتهم الشرائية وتلبية حاجاتهم، خاصة أن اليوم بفصل الشتاء والناس تتطلع لأبسط ما تواجه به هذا الموسم القاسي والذي يتمثل بقدرتها على شراء وقود للتدفئة وانخفاض التقنين الكهربائي”.
كما نوه الكناني إلى “أهمية تحسن القدرة الشرائية وانخفاض الأسعار وأن تكون حقيقية وبشكل مدروس وسليم”، أما سياسياً فقد أكد الكناني على “ضرورة أن يحقق المؤتمر الوطني مطلع 2025 كل تطلعات أبناء هذا الوطن ويكون جامعاً لكل الأطياف السورية ما يعكس الوحدة الوطنية والبنية الحقيقة لهذا المجتمع العريق”.
السيد سارية السيروان رئيس مجلس إدارة اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق وريفها، أشار إلى أن “النصر والتحرير الذي شهدته سوريا هو أهم حلم وطموح حققه أبناؤها في التاريخ الحديث.. الإدارة الجديدة قادرة على تحويل أحلام السوريين إلى واقع ملموس خلال عهد التحرير”، مشدداً على “ضرورة ملاحقة الفاسدين الذين عانى منهم الشعب كثيراً ما قد يجعل ذلك أهم أحلامهم في هذا العام”.
وفي حديثه لـ”جسر”، اعتبر السيروان أن “ما يختصر أحلام السوريين اليوم هو العيش الكريم على كافة المستويات ولجميع الفئات، لأن السوريين عانوا كثيراً من ظلم النظام وفساده وتسلط أجهزته الأمنية”.
من جهته، رأى الشيخ عبد الله المبرور خطيب جامع الرحمة بدمشق والمدرس في عدة معاهد شرعية بالعاصمة أن “أهم ما يطمح له أهل الشام اليوم هو تحقيق الأمان والحياة الكربمة وعدم القمع والتسلط، لأن كرامة الإنسان غالية جداً”، مضيفاً أن “من حق كل إنسان في مجتمعه ويؤسس لمستقبل زاهر يسعد به هو وأبناؤه ما يحقق السعادة والأمان والرخاء”.
وأشاد الشيخ المبرور بما حققته الثورة السورية العظيمة مبدياً تفاؤله الكبير للمرحلة القادمة التي “ستؤسس لمجتمع كريم يتسع للجميع بكل الفئات والطوائف والقوميات يحقق عيشاً رغيداً”، داعياً إلى “توحد المجتمع بالمحبة والوعي والثقافة والاستيعاب ليكون رداً على كل الأصوات الداخلية والخارجبة التي تخوفت من تفكك وتناحر هذا المجتمع المميز، والذي يزيد تنوعه المشهد جمالاً لا تعقيداً”.
سنوات عجاف كثيرة عاشها السوريون في ظل المعاناة والقهر بعهد النظام البائد، شهدت أزمات غير مسبوقة، تمثلت في تدمير البنى التحتية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وضعف الخدمات الأساسية، فهل ستبتسم الأيام وهل سيشهد العام الجديد عودة الروح لبلد ومجتمع عرف عنه تاريخياً بصناعة الحضارة ونشرها.. سؤال تجيب عنه الأيام القادمة.