جسر – عبد الله الحمد
انطلق مؤتمر باريس بشأن سوريا من العاصمة الفرنسية، أمس الخميس، بمشاركة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ومسؤولي عدد كبير من الدول العربية والغربية. ويرى خبراء وسياسيون أن هذا المؤتمر يعد خطوة هامة في رسم ملامح سوريا الجديدة، خاصة أنه يتزامن مع تحديات كبيرة تتعلق بتنفيذ أي حلول شاملة في البلاد، حيث يهدف المؤتمر إلى تسهيل العملية الانتقالية، ودفع جهود رفع العقوبات المفروضة على دمشق.
أهمية الدور الفرنسي
أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال المؤتمر، أن العمل جارٍ مع الشركاء الأوروبيين لرفع عدد من العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مشيراً إلى أن باريس مستعدة للاستجابة لمطالب دمشق فيما يخص تحقيق العدالة الانتقالية.
في هذا السياق، أشار الكاتب الصحفي أسامة عمايري خلال حديثه لـ”جسر” إلى أن هذا التحرك الذي تقوده باريس يأتي في توقيت هام، إذ يسعى الأوروبيون إلى تحقيق توازن بين دعم عملية الانتقال السلمي والحفاظ على الأمن والاستقرار في سوريا.
كما شدد عمايري على الثقل السياسي الذي تملكه فرنسا على الصعيد الغربي والعالمي، كونها من الدول التي لعبت تاريخياً أدواراً هامة في منطقة حوض المتوسط.
العقوبات الاقتصادية .. الملف الأهم
يعكس مؤتمر باريس التحركات السياسية الجديدة في المنطقة، خاصة في ظل التوجه الأوروبي نحو تفعيل خارطة طريق لرفع بعض العقوبات المفروضة على دمشق. وقد ربط الغرب أي رفع للعقوبات بتحقيق تقدم حقيقي في المسارين السياسي والإنساني داخل سوريا.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث السياسي محمد المحمد لـ”جسر” أن مؤتمر باريس ربما يسهم في خلق بيئة إقليمية ودولية تهيّئ لحوار سوري حقيقي وفعّال، لإيجاد صيغة توافقية بين جميع المكونات المجتمعية، لا سيما في ظل المشهد الداخلي المعقد، مشيراً أهمية العدالة الانتقالية.
من جانبه، أشار الصحفي الاقتصادي همام طبلية إلى أن رفع العقوبات عن دمشق يجب أن يسير بالتوازي مع خطوات عملية تدفع نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، لافتاً أن المؤتمر لا يهدف إلى جمع الأموال حالياً، حيث سيتم تناول هذه القضية بشكل تفصيلي في مؤتمر المانحين السنوي في بروكسل خلال شهر آذار المقبل.
وشدد طبلية على أهمية اتخاذ خطوات تنفيذية مرنة تساعد على خلق بيئة استثمارية صحيحة مدعومة بقرارات سياسية تعزز هذه الخطوات وتمنح طمأنات بانفتاح اقتصادي أوسع.
تحديات الإدارة السورية الجديدة
رغم المناخ الإيجابي والإشارات المطمئنة التي ترسلها دمشق ويحسن استقبالها الغرب، إلا أن هناك معوقات وتحديات هامة تواجه المؤتمر ومخرجاته، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار السياسي السوري.
فالمرحلة الانتقالية في سوريا تتطلب بناء توافق سياسي بين مختلف الأطراف لضمان استقرارها، إضافة إلى البدء بمشروع إعادة الإعمار والاستثمار بالتوازي. وتحتاج سوريا إلى تكاتف الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لإعادة بناء البنية التحتية وخلق جو استثماري مناسب بعد معاناة مريرة طوال سنوات الحرب.
وفي هذا الصدد، قالت الإعلامية الاقتصادية كوثر صالح إن دمشق تواجه تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب إصلاحات ومراجعات ودعماً دولياً وعربياً لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية.
وأضافت أن مؤتمر باريس سيبحث هذه القضايا، إلى جانب محاولة إيجاد حزم اقتصادية وسياسية تدعم الإدارة السورية الجديدة، منوّهة إلى أن المؤتمر قدم إشارات إيجابية لفتح أبواب هامة تدعم بناء الاقتصاد السوري الجديد، لكن تطورات الوضع على الأرض في سوريا ستظل العامل الحاسم في تحديد مدى نجاح هذه الجهود.
اختُتم مؤتمر باريس حول سوريا بعد سلسلة من المناقشات المكثفة التي جمعت أطرافاً دولية وإقليمية بهدف إيجاد حلول عملية للأزمة السورية. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه عملية الانتقال السياسي، فقد خرج المؤتمر بتوصيات تدعم رفعاً تدريجياً للعقوبات الاقتصادية، شريطة إحراز تقدم حقيقي في المسارين السياسي والإنساني.
ومع انتهاء المؤتمر، تظل الأنظار متجهة نحو مدى التزام الإدارة السورية الجديدة وأيضاً الأطراف الدولية، بترجمة هذه التوصيات إلى خطوات ملموسة تساهم في بناء سوريا جديدة ومستقرة.