جسر – عبد الله الحمد
منذ سقوط نظام الأسد البائد، شهدت دمشق تحركات سياسية نشطة ومتسارعة، تمثّلت بزيارة وفود عربية وغربية للعاصمة دمشق، تلاها زيارات لوزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني إلى قطر والإمارات والسعودية والأردن وتركيا. لكن المشهد الأبرز هو إعادة بناء العلاقات مع الخليج، خصوصاً أن بيان قمة الدول الخليجية أتى مبشراً ومنفتحاً إلى حد كبير اتجاه سوريا الجديدة وإدارتها.
ويرى مراقبون ومحللون إمكانية تحقيق تقدم في مسارات سياسية واقتصادية لسوريا في هذا الشأن، مع تفاؤل بعودتها إلى الدور والاحتضان العربي بعد سقوط النظام.
دعم سياسي واقتصادي
يتطلع المسؤولون السوريون إلى بناء علاقات مع الدول الخليجية تؤسس لعلاقات فاعلة وتبحث آفاق التعاون المشترك. يرى الكاتب والباحث السياسي تيسير محمد خلال حديثه مع صحيفة “جسر”، أن هذه الوفود السورية تسعى لتحقيق هدفين أساسين في هذه المرحلة الحساسة هما: اعتراف هذه الدول بها، وتلقي دعم مالي واقتصادي عاجل يمكّن الحكومة من تثبيت تسيير أعمالها ويسهل مهمتها إلى حد كبير، مضيفاً أن “الرياض خصوصاً بمكانتها العربية والإسلامية ستمثل دعماً للإدارة الجديدة في العواصم العربية والغربية والدولية لتسهيل التعامل والتعاون معها”.
من جانبه، اعتبر الإعلامي أحمد الكناني أن “زيارة وزير الخارجية السوري برفقة وزير الدفاع ومدير المخابرات إلى المملكة تعد تحولاً نوعياً في توجهات الحكومة السورية، بعد أن توترت علاقاتهما بشكل كبير خلال السنوات الماضية”.
ولفت أن “سوريا تسعى من انفتاحها الكبير مع العواصم الخليجية لدعمها بعدة ملفات على الصعيد الدبلوماسي واللوجستي من خلال تأمين وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى توظيف علاقاتها مع تركيا ودول الإقليم لصالح الداخل السوري والإسهام في دعم وإنجاح المؤتمر الوطني السوري”.
ما الذي تصبو إليه دول الخليج؟
تطمح دول الخليج العربي كما أعلنت، أن تكون سوريا دولة لكل أبنائها، مليئة بالسلام وخالية من الجماعات المسلحة والمتشددة ودعم حيازة السلاح بيد الدولة الجديدة فقط، كما تسعى إلى مكافحة الإرهاب والحفاظ على سوريا موحدة ودون تدخلات لدول إقليمية مثل إيران وإسرائيل. وفي ذات الاتجاه تحاول العواصم الخليجية إعطاء إشارات لعواصم عربية كالقاهرة لانفتاح أكبر تجاه العاصمة السورية، ما يسرع عودتها إلى محيطها ودورها العربي المأمول.
الكاتب والباحث السياسي منهل الحسين يقول لـ”جسر” إن “هناك رفض خليجي واضح وحاد للضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ويرى ذلك جلياً من خلال التصريحات والبيانات لهذه الدول مع التأكيد على محاولة الضغط على تل أبيب لحفظ أمن واستقرار سوريا عبر احترام القرارات والمواثيق الدولية”.
الحضن العربي مطلب إماراتي
المحلل السياسي محمود حسان يرى أن “الحراكات الدبلوماسية السورية مؤخراً اعتبرتها الدول الخليجية بمثابة احتضان للإدارة الجديدة والإعادة إلى حضن العرب بعد سنوات من الخضوع لطهران وموسكو”، موضحاً أهمية سوريا الجيوسياسية وموقعها في العالم العربي المميز وهذا ما تدرك دمشق أهميته كما تدرك دول الخليج أهمية ذلك، ومن هنا أتت زيارة الوفد السوري إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت عبّرت فيه القيادة الإماراتية عن قلقها حيال الإدارة الجديدة في سوريا وعلاقاتها المنفتحة مع تركيا، خصوصاً مع تصريحات المسؤولين الإماراتيين التي ألمحت أن طبيعة القوى الجديدة، وارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة. كلها مؤشرات مقلقة للغاية، لكن في ذات الوقت كان هناك إشارات إيجابية من أبو ظبي بحديثها عن تصريحات متوازنة وعقلانية من المسؤولين السوريين حول وحدة الأراضي وعدم فرض نظام على جميع المكونات المجتمعية.
تفاؤل في الدوحة
على صعيد متصل، أجرى وزير الخارجية الشيباني محادثات في العاصمة القطرية الدوحة، وطالب فيها من هناك الولايات المتحدة برفع عقوبات فرضتها على دمشق في عهد النظام السابق، ما يعكس وفق ما يراه محمد حسن، الخبير الاقتصادي، محاولات جادة للبدء ببناء نظام اقتصادي للانطلاق بإعادة إعمار سوريا بأموال خليجية تمثل ركيزة ونقطة انطلاق لها باتجاه المرحلة المقبلة، وذلك بسبب الاحتضان القطري الكبير والانسجام الجيد بين الحكومتين.
وتحتاج سوريا في العهد الجديد، بحسب منى الصايغ، وهي كاتبة وباحثة في مجال التاريخ والسياسة، إلى “ضخ أموال طائلة للتنمية وإعادة الإعمار والدعم في الكثير من المجالات، بعد أن أدت الأزمة إلى تراجعها بشكل كبير عن الكثير من الدول العربية حتى المجاورة لها”، منوهة بأن قطر ثاني دولة بعد تركيا أعادت فتح سفارتها في دمشق بعد سقوط حكم الأسد، بعدما أغلقتها في عام 2011.
مخاوف من “الإسلام السياسي” في سوريا
المخاوف واضحة لدى الكثير من الدول العربية من وجود إدارة إسلامية في دمشق تصدر الإسلام السياسي إليها، خاصة مع وجود رعاية تركية.
الكاتب السياسي محمد أحمد أشار إلى أن “هذه المخاوف قد تكون مشروعة، لكن أنقرة نفسها تعلّمت دروساً من الربيع العربي، وكان جلياً أن تركيا لا تسعى إلى تكرار تجربة الإسلاميين في الحكم، ولا الدخول في مواجهات مع دول عربية أخرى، بل هنالك رسائل وتطمينات منها إلى العواصم العربية المترددة إزاء الحكم الجديد بأنه سيكون صديقاً وليس معادياً”.
وبينما أعلنت إدارة سوريا الجديدة في أكثر من مناسبة وأمام أكثر من وفد أنّها لا تتبنى نظرية تصدير ثورتها، بدا من الواضح أن شمولية زيارة الوزير الشيباني للعواصم الخليجية وعمان مؤشراً هاماً على رغبة الإدارة في تجنب حالة الاستقطاب والتجاذبات الإقليمية، والتركيز على وحدة سوريا وإعادة الإعمار والملفات الاقتصادية.