جسر – هبة الشوباش
السيف الدمشقي، أو ما يعرف بسيف دمشق، يتميز بجودته العالية وشهرته التاريخية، ويرجع ذلك إلى طريقة تصنيعه المتقنة التي تتطلب مهارة وخبرة كبيرة. قيمته اليوم تتجاوز كونه سلاحاً ليصبح رمزاً للإبداع والإرث الثقافي، حيث يتم تصنيعه باستخدام فولاذ “الدمشق” الذي اشتهر بخطوطه المتموجة المميزة ونقاوته العالية، وتعود هذه العملية إلى العصور الإسلامية والوسطى، وكانت تعتبر سراً محفوظاً بين الحرفيين.
طريقة صنع السيف الدمشقي
في لقاء مع صحيفة “جسر”، تحدث صانع السيوف فياض سليمان السيوفي، وهو من العائلة الوحيدة التي تصنع السيوف اليوم في دمشق وقد ورثوها أباً عن جد، عن خطوات تصنيع السيف الدمشقي، حيث قال، إن العملية تبدأ باختيار الفولاذ، ويتم استخدام فولاذ ذي نقاوة عالية يحتوي على مزيج مثالي من الكربون والمعادن الأخرى، ومن ثم التشكيل، حيث يتم تسخين المعدن حتى يصبح طرياً وقابلاً للتشكيل، ثم يطرق ويُطوى عدة مرات لتقوية المعدن وزيادة تماسكه.
المرحلة الثالثة هي إضافة النقوش المتموجة، ويقول السيوفي: “يتم تطبيق الأنماط المتموجة الشهيرة من خلال تداخل طبقات الفولاذ المختلفة”، ومن ثم التبريد، حيث يتم تبريد السيف في خليط معين من الماء والزيت لتحقيق الصلابة المطلوبة، والمرحلة الأخيرة هي الصقل والتلميع، يتم فيها صقل السيف وتلميعه لتظهر النقوش بوضوح ويصبح السطح لامعاً.
استخدامات السيف الدمشقي اليوم
تحدث السيوفي عن استخدامات السيف الدمشقي قائلاً: “في الوقت الحاضر، يعتبر السيف الدمشقي قطعة فنية وتراثية أكثر من كونه أداة حرب، إذ يحظى باحترام كبير كرمز للتاريخ والحرفية العالية”. من بين استخداماته، التحف والهدايا التذكارية، حيث يقتني كثير من الأشخاص السيوف الدمشقية كقطعة زينة أو هدية فاخرة لتزيين المنازل والمكاتب.
كما يستخدم في الفعاليات الثقافية والتاريخية، في المهرجانات والمعارض التي تسلط الضوء على التراث والتاريخ العربي والإسلامي، وكذلك في الأفلام الوثائقية والدرامية، وفي التدريب وعروض الفنون التقليدية، وفي المتاحف والجامعات، حيث يُعرض كجزء من مجموعات تسلط الضوء على تاريخ الحرف والأسلحة.
المعارض الثقافية التي تسلط الضوء على السيف الدمشقي
تحدث فياض سليمان عن المعارض الثقافية التي تسلط الضوء على السيف الدمشقي كجزء من التراث السوري، حيث يعد معرض دمشق الدولي من أبرز هذه الفعاليات، إذ يتم عرض السيف الدمشقي فيه كرمز للتراث الثقافي السوري. كما تُقام معارض الحرف اليدوية في دمشق القديمة، والتي تسلط الضوء على السيوف الدمشقية إلى جانب العديد من المنتجات الحرفية الأخرى، مما يعكس مهارة الحرفيين التقليديين. بالإضافة إلى ذلك، تحتضن المتاحف السورية، مثل متحف دمشق الوطني والمتاحف المحلية، السيوف الدمشقية ضمن معروضاتها، مما يمنحها مكانة بارزة في تاريخ الصناعة التقليدية.
أما عن طريقة اقتناء السيف الدمشقي، فقد أوضح التاجر ريمون جبيلي، وهو أحد تجار السيوف الدمشقية، أن هناك عدة طرق للحصول عليه. يمكن للراغبين في اقتنائه شراءه عبر الإنترنت من خلال مواقع متخصصة مثل Ottoman Swords وDamascus Steel Swords، حيث توفر هذه المنصات سيوفاً مصنوعة يدوياً بجودة عالية، مع إمكانية تخصيص التصميم والشحن إلى مختلف أنحاء العالم، أما محلياً، فيمكن للراغبين بامتلاك السيف الدمشقي زيارته الأسواق التقليدية في دمشق القديمة، حيث تعرض هذه السيوف بجانب التحف اليدوية الأخرى، ما يجعلها خياراً مثالياً لهواة جمع القطع التراثية.
ويتميز السيف الدمشقي بتعدد أنواعه، حيث أوضح ريمون جبيلي أن هناك أنواعاً مختلفة، من أبرزها السيف التقليدي الدمشقي، الذي يُعرف بنقوشه المتموجة الفريدة وصلابته العالية، ويُستخدم غالباً كتحفة فنية. كما يوجد الخنجر الدمشقي، وهو أصغر حجماً من السيف، لكنه يحمل ذات القيمة التراثية المميزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك السيف القصير، وسيف المعركة، والسيوف الملحومة، التي تختلف في تصميمها واستخداماتها، لكنها جميعاً تحتفظ بجوهر الصناعة الدمشقية الأصيلة.
يعتبر السيف الدمشقي واحداً من أهم رموز التراث السوري والعربي والإسلامي، حيث يحمل في طياته إرثاً ثقافياً عميقاً. فهو لم يكن مجرد سلاح في العصور الإسلامية والوسطى، بل ارتبط بالكثير من المعارك والانتصارات، مما منحه مكانة مرموقة عبر التاريخ. أما اليوم، فقد أصبح رمزاً للحرفية العالية والإبداع في التصنيع، إلى جانب كونه تحفة فنية تروي قصة طويلة من الابتكار والتميز. إنه ليس مجرد سيف، بل هو شهادة حية على عبقرية الحرفيين الدمشقيين، يجمع بين القوة والجمال، ما يجعل الحفاظ عليه بمثابة الحفاظ على جزء أصيل من التراث الإنساني في المنطقة.