جسر – طرطوس (هبة الشوباش)
كانت السجون السورية لسنوات طويلة شاهداً صامتاً على معاناة المعتقلين، حيث امتلأت بالمظلومين والمقهورين، إلى جانب مجرمين خطرين من القتلة والمغتصبين والمختلسين. وعقب سقوط النظام، فتح الثوار أبواب تلك السجون، لتظهر المأساة الإنسانية التي عاشها السجناء بسبب الظلم والتعذيب.
لكن هذا التحرير الواسع أثار تحديات كبيرة، إذ أدى إلى هروب العديد من المجرمين الذين باتوا يشكلون تهديداً حقيقياً لأمن المجتمع واستقراره، مما يستدعي إعادة النظر في تداعيات هذا الحدث وآثاره على السلامة العامة.
وفي هذا السياق، أصدر وزير العدل في الحكومة الانتقالية قراراً يدعو جميع المحاكم ودوائر التحقيق والإحالة والنيابة العامة إلى إحصاء أسماء الموقوفين أو المحكومين بجرائم عادية الذين فروا من السجون خلال عملية التحرير، ومتابعة محاكمتهم. وقد قوبل القرار بارتياح شعبي، خاصة بعد ورود تقارير عن تجاوزات وتهديدات قام بها بعض المجرمين الفارين ضد المجتمع والأهالي، في محاولة لضرب السلم الأهلي.
صحيفة “جسر” أجرت لقاءات مع مختصين لمعرفة تبعات القرار، وأكد أحد المحامين من نقابة المحامين فرع طرطوس أن القرار خطوة إيجابية وضرورية من وزارة العدل، مشيراً إلى أنه “من غير المقبول أن يستفيد المجرمون الفارون من إنجازات الثورة.. الثورة لا يمكن أن تكون غطاءً لهذه الفئة، ولا يجوز التفريط بالحقوق الشخصية للمدّعين ضد المحكومين أو الموقوفين الفارين”.
وأشار المحامي إلى أن “الإدارة الجديدة وجهت بإصدار نشرات شرطية جديدة بحق الفارين وملاحقتهم قانونياً، استناداً إلى الملفات القضائية المنظورة أمام المحاكم، بهدف إعادة الحقوق الشخصية إلى أصحابها”.
تحديات القبض على الفارين
مصدر من محكمة عدلية طرطوس أوضح أن “تسليم المحكومين أو الموقوفين الفارين أنفسهم ليس بالأمر السهل، خاصة بعد أن ذاقوا طعم الحرية”، مؤكداً على ضرورة أن “تعتمد وزارة العدل آليات جديدة للقبض عليهم، مع تكثيف دوريات الأمن العام، لأن التواري عن الأنظار أصبح سهلاً في ظل غياب مذكرات البحث بأسماء المطلوبين.
وأضاف المصدر: “للأسف، تشهد العديد من المناطق في سوريا اليوم حالات سرقة وجرائم قتل، مما يزيد من شعور الذعر والخوف بين المواطنين”.
أحد القضاة من ريف طرطوس -فضل عدم الكشف عن اسمه- أشار إلى “ورود العديد من الشكاوى من مختلف المناطق عن حالات تهديد قام بها المجرمون الفارون ضد المدّعين عليهم أو من قاموا بتسليمهم”، وشدد على “ضرورة رصد المطلوبين وإيجاد آليات مناسبة للقبض عليهم وإعادتهم إلى السجون”.
أهمية التوعية المجتمعية
السيدة هناء صالح، الخبيرة الاجتماعية، أكدت في تصريح لصحيفة “جسر” أن “إفلات المجرمين الفارين من العقاب كلياً أو جزئياً يمثل ظاهرة خطيرة”، وأثنت على القرار الخاص بمتابعة جميع الحالات وإعادة المدعى عليهم ومن ثبتت إدانتهم إلى السجن.
ودعت صالح إلى “إطلاق برامج وحملات توعية على المستوى المحلي والرسمي، لدعم جهود إعادة الفارين إلى العدالة”.
خطة أمنية قيد التنفيذ
مصدر في قوات الأمن العام كشف لـ”جسر”، عن “إعداد خطة بالتعاون مع جهات حكومية متعددة لرصد ومتابعة تحركات المطلوبين، بهدف إلقاء القبض عليهم دون أي انعكاسات أو توترات في الشارع السوري”.
وتشهد سوريا اليوم جهوداً مكثفة على أكثر من صعيد في هذا الملف، خاصة مع دخول البلاد في مرحلة انتقالية جديدة، وفي ظل هذه الظروف، تراهن الدول على نجاح السوريين في بناء دولة حضارية مزدهرة، بعيداً عن الأجرام والمخدرات والميليشيات.