بعد سقوط النظام.. انتشار ملحوظ لـ”الدولار” المزوّر في سوريا

شارك

جسر – دمشق (علي الأحمد)

قبل الثامن من كانون الأول عام 2024، تاريخ سقوط نظام بشار الأسد، كان التعامل بغير الليرة السورية يشكل جريمة يعاقب عليها “القانون” في “سوريا الأسد” بأشد العقوبات، فمجرد ذكر كلمة “دولار” قد يؤدي بك إلى عشر سنوات في سجون مظلمة ودفع غرامات باهظة لا يمكن احتمالها. هذا المصير كان يلاحق كل من يُشتبه به كـ”متعامل” بالعملات الأجنبية، ما جعله هدفاً سهلاً للابتزاز من قبل أجهزة المخابرات.

في ظل هذه الظروف، اضطر السوريون إلى استخدام الدولار بسرية تامة، متجنبين أي إشارة قد تكشف تعاملهم به. ولمزيد من الحيطة، أطلقوا على الدولار أسماء رمزية مثل “النعنع” و”البقدونس”، في إشارة إلى لونه الأخضر المشابه للون الدولار، هرباً من أعين المخبرين وآذان الأجهزة الأمنية المنتشرة في كل زاوية.

ياسر حبقة مواطن سوري يقول لصحيفة “جسر”: “عندما كنت مسافراً في أحد الأيام، بين دمشق وطرطوس، لأجلب الأجار السنوي لمنزلي، قام الشخص المستأجر بإعطائي مبلغ 1000 دولار بدل من قيمتهم بالليرة السورية والتي كانت تبلغ آنذاك 15 مليون ليرة، وهذا المبلغ بالعملة السورية يحتاج إلى حقيبة سفر إضافية لحمله، علماً أن حتى هذا المبلغ لن يعبر بسهولة معي عبر الحواجز الأمنية، وحتماً سيتم استجوابي وتأخيري بسبب هذا المبلغ بالعملة المحظورة”.

يضيف: “بعد تفتيش دقيق على أحد حواجز النظام شاهد أحد العناصر هذا المبلغ وبدأ يتصرف معي وكأني مجرم بناء على التعليمات التي لديه… ما ضل حدا من الحاجز لبين ما وصلت على فرع الخطيب التابع لأمن الدولة ما سألني عن مصدر الـ 1000 دولار، ومن أين لك هذا ومع أي جهات خارجية أتخابر.. وما طلعت من الخطيب إلا وأنا نسيان أمر ال 1000 دولار تماماً!”.

الدولار بعد التحرير

مع سقوط نظام بشار الأسد المجرم بدأ يتوافد سكان الشمال السوري إلى دمشق وعاد قسم من المهجرين خارج البلاد، وانتشر التعامل بالدولار وغيره من العملات بأريحية كبيرة على عكس الحقبة السابقة، وانتشر بين الناس أوراق مزورة وخصوصاً من فئة الـ 100 دولار، والتي وصلت دقة تزويرها بتطابق يصل إلى 90-95% ويصعب على الأجهزة التقليدية اكتشافها”.

يشير البعض ممن تعرّضوا للخداع إلى أن هذه الأوراق المزوّرة تشبه الأصلية من حيث الملمس والشريط ثلاثي الأبعاد والعلامة المائية، إلا أن الاختلافات تكمن في أن الشخصية المطبوعة بالدائرة البيضاء والشريط المخفي، حيث يظهران مطبوعين بدقة لا يمكن كشفها إلا بتسليط الضوء خلف الورقة.

وتُباع هذه الدولارات المزوّرة علناً عبر مجموعات التواصل الاجتماعي، وبأسعار تقل كثيراً عن سعر الصرف في السوق السوداء، وفق ما علمنا من عملية متابعة أجريناها، استمرت أياماً عدة.

الأمن العام في حلب ضبط مبالغ كبيرة من الدولار الأمريكي المزور في أسواق المدينة والريف، ولكن متابعة هذه العملية بحاجة إلى جهود أكبر، وقوانين ناظمة وعقوبات.

“أبو حمزة” شاب ثلاثيني امتهن الصرافة منذ سنين في إدلب، ومع سقوط النظام في دمشق اتجه إلى العاصمة ليفتح كشكاً للصرافة وسط المدينة، ويقول لـ”جسر”، إن “انتشار الدولارات المزورة في سوريا قد يكون مرتبطاً بأزمات مماثلة تعاني منها بعض دول الجوار مثل تركيا والعراق”.

وبيّن أن “طريقة دخولها تتم على دفعات بطرق غير شرعية، وتستخدم بشكل واسع في المناطق السياحية، والأسواق الكبيرة، فضلاً عن استخدام بعضها في بيع العملات الرقمية”.

وعن طريقة التعامل حالياً في ظل هذا الحال، بدأ تجار دمشق تصوير الدولارات التي يشترونها ويسجّلون أرقامها مع رقم الشخص الذي صرّفها، من أجل الرجوع إليه حال تبيّن أن الورقة النقدية التي بيعت مزوّرة”.

ولم يصدر حتى الآن أي تعليق من السلطة السورية الجديدة حول انتشار العملة المزورة، بينما يتطلب الأمر قوانين حاسمة لضبط مروجي العملة المزورة وحماية الاقتصاد السوري المنهك.

ويُعزى انتشار العملات المزورة إلى ضعف الرقابة الاقتصادية وتدهور قيمة العملة المحلية، ومصدر الدولار المزور لا ينحصر بالجغرافيا السورية فقط، بل هناك مصادر أخرى مثل العراق، لبنان، وتركيا، وهذا ما وسع من نشاط هذا التداول، ويبقى المواطن العادي هو الضحية في انتشار القطع الأجنبي المزور، نتيجة عدم امتلاكه الخبرة الكافية في التعامل معه.

شارك