جسر – عبد الله الحمد
إثر انهيار النظام البائد، تكشفت في سوريا أزمات كبرى على مختلف الأصعدة، وأبرزها الاقتصاد. فالانهيار المالي الناتج عن سوء الإدارة السابقة ونهب نظام الأسد وعائلته لمقدرات الخزينة من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى تأثير العقوبات الدولية، أصبح يشكل عائقاً كبيراً أمام تقديم الخدمات التي يستحقها المواطن السوري في ظل الحكومة الجديدة.
وفي في أول جولة خارجية له باتجاه الخليج، الذي يتمتع اليوم بنفوذ سياسي واقتصادي كبير في الشرق الأوسط وعلاقات استراتيجية مع الغرب، وعلى رأسه واشنطن، كرر وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد حسن الشيباني، دعوة حكومته للولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا. هذا التحرك يعكس اهتمام الحكومة الجاد بمواجهة التحديات الاقتصادية.
إعفاءات أمريكية محدودة
الجهود السياسية للحكومة المؤقتة بدأت تؤتي ثمارها، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن “رخصة رقم 24” التي تتضمن استثناءات مؤقتة لبعض العقوبات على سوريا
ووفقاً لهذه الرخصة، التي تمتد حتى السابع من يوليو 2025، ستُسمح بعض المعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية، بالإضافة إلى بعض المعاملات المرتبطة بقطاع النفط، والتحويلات الشخصية، وفق بيان منشور على موقع وزارة الخزانة الأمريكية.
وبحسب هذه الرخصة، فإن الاستثناء سيشمل المعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين الطاقة إلى سوريا أو داخلها، بما في ذلك البترول ومنتجاته والغاز الطبيعي والكهرباء، كما سيغطي أيضاً المعاملات التي تكون عادة عرضية وضرورية لمعالجة تحويل الحوالات الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما في ذلك من خلال البنك المركزي السوري.
الخبير الاقتصادي حمزة الحاج أوضح أن الحكومة المؤقتة تطمح لرفع العقوبات كاملة على البلاد، ما سيفتح لها المجال إعادة بناء الاقتصاد الذي دمرته سياسات النظام والحرب التي كلفت الكثير وأوصلت الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة خمسة مليارات دولار عام 2024، مقارنة بأكثر من ستين ملياراً عام 2010.
وأردف أن هذه الخطوة ستساعد في زيادة والاستثمارات وعمليات التمويل، منوهاً أن “هذه الاستثناءات مخصصة لأغراض إنسانية وخدمية بسيطة كدفع الرواتب وتمويل الاحتياجات الأساسية للوطنين وليست لأغراض استثمارية”.
موقف الدول الغربية من الإعفاءات
صحيفة “وول ستريت جورنال” وصفت القرار الأمريكي بأنه خطوة محدودة لدعم الإدارة الجديدة، مع تأكيد واشنطن على تقييمها للأوضاع بناءً على أفعال الحكومة السورية الجديدة وليس وعودها.
الباحث السياسي محمود يحيى، في حديثه لـ”جسر”، لفت إلى أن إحدى أهم العقبات أمام رفع العقوبات تتمثل في التصنيفات الإرهابية التي تطال بعض الفصائل والقوات في سوريا.
وأكد أن “الإدارة الجديدة مطالبة باتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذا الملف عبر تسويات سياسية وتقاربات مع الفصائل، وهو أمر قد يؤدي في المستقبل إلى تخفيف كبير في العقوبات الغربية”.
الموقف الأوروبي
خلال لقاء جمع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، أكدت بيربوك أن أوروبا مستعدة لدعم سوريا بشرط الابتعاد عن تمويل الهياكل الإسلامية. كما شددت على أن رفع العقوبات مرتبط بتقدم العملية السياسية وتجنب إقامة حكومة إسلامية بعد إسقاط النظام السابق.
في غضون ذلك، تواصل الحكومة السورية الانتقالية مساعيها الحثيثة لإزالة العقوبات التي أرهقت السوريين لسنوات طويلة. هذه التحركات تأتي ضمن محاولاتها الجادة لطي صفحة الماضي واستعادة ثقة المجتمع الدولي، مع تعزيز جهودها الدبلوماسية والسياسية لإعادة بناء سوريا بشكل يتوافق مع تطلعات شعبها ومستقبل أبنائها، الذين تضرروا كثيراً من نظام تسلط على كل مفاصل الحياة وعبث بها على حساب لقمة عيشهم ومستقبلهم.