جسر – متابعات
توفي الدكتور عدنان غصاب المحاميد، الأكاديمي السوري والمحاضر في جامعة مكغيل الكندية، في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء 4 فبراير 2025، في مدينة مونتريال الكندية، بعد صراع مع مرض السرطان.
وكان المحاميد شخصية استثنائية جمعت بين النضال ضد الظلم والتفوق الأكاديمي، حيث لعب دوراً بارزاً في الثورة السورية وكان من أوائل الثائرين ضد نظام الأسد في محافظة درعا عام 2011، إلى جانب عائلته التي دفعت ثمناً باهظاً لمواقفها المناهضة للنظام. ورحل مبكرًا قبل بلوغه الخمسين من العمر.
النشأة والمسيرة العسكرية
وُلد عدنان المحاميد في محافظة درعا في 8 أغسطس 1975، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرستي القنيطرة والمتنبي، ثم أكمل تعليمه في مدرسة طبريا الإعدادية ومدرسة الشهيد الفالوجي الثانوية. التحق لاحقاً بالكلية الجوية السورية، وتخرج منها برتبة ملازم عام 1997، ليبدأ مسيرته العسكرية في مطار حميميم العسكري، وكان ضابطاً لامعاً يتميز بالشرف والنزاهة، إلا أن تقريراً أمنياً كيدياً أدى إلى إقصائه من عمله العسكري، لكنه تجاوز المحنة بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين.
نضاله في الثورة السورية والمآسي العائلية
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، كان المحاميد من أوائل من واجهوا نظام الأسد في درعا، المدينة التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد الحكم الاستبدادي.
وشاركت عائلته بأكملها في الحراك الثوري، حيث استشهد شقيقه الدكتور علي المحاميد، الذي كان أول طبيب شهيد في الثورة السورية، بعد أن قتلته قوات الأسد أثناء إسعافه للجرحى على الجسر الذي يربط درعا البلد بدرعا المحطة، كما تعرض شقيقاه، الدكتور محمد والمهندس محمد، للاعتقال، ولم يُعرف مصيرهما حتى اليوم. فيما استشهد شقيقه زايد المحاميد أثناء قتاله في صفوف الجيش الحر في درعا، أما عدنان، فقد نجا من عدة محاولات اغتيال، مما اضطره إلى مغادرة سوريا عام 2014، ليستقر في كندا.
النجاح الأكاديمي في كندا
بعد وصوله إلى كندا، التحق بجامعة مكغيل لدراسة علم الاجتماع، حيث تفوق في دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه بامتياز (A+)، متخصّصاً في قضايا اللاجئين، الهجرة القسرية، الأبوة، وسياسات الاستيطان، وعمل لاحقاً كأستاذ جامعي في جامعة مكغيل، ونشر العديد من الأبحاث الأكاديمية الموثقة باسمه.
وإلى جانب عمله الأكاديمي، شارك المحاميد في الفيلم الوثائقي “بعيداً عن بشار”، الذي تناول معاناة عائلته ورحلتها من سوريا إلى كندا، وسلط الضوء على صعوبات الاندماج والتحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في المجتمع الكندي. كما كان جسراً أكاديمياً وإنسانياً بين الجالية السورية والمجتمع الكندي.
رحيله وصداه في الأوساط الأكاديمية والسياسية
أثار خبر وفاة المحاميد موجة من الحزن في أوساط زملائه وطلابه، الذين نعوه باعتباره نموذجاً للعلم والالتزام الأخلاقي. كما عبّرت العديد من الشخصيات الأكاديمية والحقوقية عن تقديرها لإرثه العلمي والنضالي، مؤكدين أن وفاته خسارة كبيرة للثورة السورية وللحقل الأكاديمي.
رحل الدكتور عدنان المحاميد بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتحدي، لكنه ترك بصمة ستظل خالدة في قلوب من عرفوه، سواء في درعا التي انطلقت منها أحلامه، أو في كندا حيث واصل نضاله العلمي والإنساني حتى الرمق الأخير.