جسر – السويداء (عبد الله الحمد)
بعد سقوط نظام الأسد، شهدت محافظات سورية عدة، بينها السويداء، العديد من الحملات التي تهدف إلى تنظيف البلاد وإزالة قمامة الحرب من الشوارع، وقد اختارت فئات واسعة من الشباب الاحتفال بهذه الطريقة، معتبرين أن بناء سوريا الجديدة، الحرة والنظيفة، يبدأ من كل محافظة وقرية وشارع.
ولكن كيف كان وضع النظافة في سوريا خلال فترة الحكم البائد؟ وهل كان الحال سيئاً إلى درجة دفعت الشعب لاختيار تنظيف الشوارع كخطوة أولى في إعادة البناء؟
التقت صحيفة “جسر” بفريق “أصدقاء لمى”، أحد الفرق الاجتماعية التطوعية التي بادرت بتنظيف شوارع محافظة السويداء، وتحديداً في قرية الرحا، الواقعة جنوب شرق مدينة السويداء بحوالي 4 كيلومترات. وقد تعاون الفريق مع أهالي القرية لوضع خطط لتحسين الوضع البيئي، وبدأوا بتنظيف الشوارع كخطوة أولى تحت شعار “روح التعاون وحب الأرض وبناء سوريا”.
المهندس أمير الشيباني، مدير فريق “أصدقاء لمى”، يقول في حديثه لصحيفة “جسر”: “اخترنا أن نحتفل بحرية سوريا عبر المساهمة في بنائها قولاً وفعلاً، وذلك بالتعاون مع أهالي البلدة والتنسيق مع فرق أخرى. سعينا إلى تنظيف الشوارع وزراعة الأشجار لنُعيد بلادنا كما كانت قبل الحرب، بأشجارها الخضراء وشوارعها النظيفة”.
من جانبها، قالت م.ج، إحدى المتطوعات في الفريق: “في طفولتنا تعلمنا أن النظافة حضارة، وسوريا كانت دائما رمزاً للحضارة. لهذا السبب، علينا أن نتعاون لجعل شوارعنا نظيفة وجميلة، فهذا يعكس وعينا وحبنا لوطننا. وأود أن أوجه رسالة إلى الأهالي والمدرسين بأهمية زرع هذه الثقافة في الأطفال، لأنهم مستقبل البلاد”.
التوعية المجتمعية ودور المؤسسات
أنس، المسؤول الإعلامي للفريق، شدد على أهمية التعاون قائلاً: “نتمنى أن يكون السوريون يداً واحدة، فالمجتمع بحاجة ماسة إلى توعية الأطفال بأهمية الحفاظ على البيئة. كما نحتاج إلى تعاون أصحاب المحال التجارية والفعاليات الصناعية، الذين يتركون أحياناً بقايا نفاياتهم دون وضعها في أكياس أو حاويات مخصصة، مما يسبب التلوث”.
الخالة أم عباس، صاحبة محل خضار في القرية، استعرضت معاناة الأهالي: “في ظل النظام البائد، كان هناك إهمال كبير لنظافة القرى، حيث كان الاهتمام يقتصر على الشوارع الرئيسية والمناطق المهمة فقط، بينما كانت القمامة تتكدس في الحارات الصغيرة لأشهر طويلة دون إزالتها، مما اضطر الأهالي إلى إزالتها بأنفسهم أو حتى حرقها”.
أما العم أبو ورد، أحد سكان القرية، فقال: “رأيت هذه المجموعة وهي تعمل بجهد لتنظيف الشوارع بالتعاون مع الأهالي، فقررت الانضمام إليهم. سوريا لنا جميعاً، وواجبنا أن نبنيها بحب وتعاون حتى تعود كما كانت قبل الحرب، بل وأفضل”.
تشكل حملات التنظيف التي شهدتها السويداء وبقية المحافظات السورية بعد سقوط النظام، خطوة رمزية وعملية في آنٍ واحد، تعكس رغبة الشعب في طي صفحة الماضي والانطلاق نحو مستقبل جديد أكثر إشراقاً، فالنظافة ليست مجرد إزالة للأوساخ والركام، بل هي تجسيد لروح التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع، ورسالة واضحة بأن السوريين لديهم الرغبة والقدرة على إعادة بناء وطنهم بأيديهم، بدءاً من أصغر التفاصيل، كما أن هذه المبادرات تعزز الوعي بأهمية البيئة وتعكس الإرادة الشعبية الصادقة لبناء سوريا نظيفة، حرة، وجميلة، بعيداً عن مظاهر الإهمال والتقصير التي عانت منها البلاد في الماضي.