في متحف دمشق.. ندوة تسلط الضوء على شراكة المجتمع والتقنية في حماية التراث

شارك

جسر – دمشق (عبد الله الحمد)

في ظل ما يتعرض له التراث الثقافي السوري من مخاطر، وبغية الإضاءة على طرق مواجهتها للحفاظ على الهوية الحضارية، أقيمت في المتحف الوطني بدمشق ندوة علمية نظمتها منظمة “إيكونوموس سوريا” برعاية المديرية العامة للآثار والمتاحف، تحت عنوان “تعزيز التشاركية لإدارة مخاطر التراث وحمايته”.

ولفت رئيس “إيكونوموس سوريا” المهندس خير الدين الرفاعي خلال الندوة إلى أن “التراث السوري، الذي شهد ميلاد أولى الحضارات الإنسانية، يحتاج اليوم إلى رؤية متكاملة وشاملة تحافظ على أصالته وتواكب متطلبات العصر، عبر جهود تشاركية تضم المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات المتخصصة، وتعمل على تحقيق تنمية مستدامة تحفظ التراث كرافد اقتصادي وثقافي”.

وقدمت الدكتورة هلا قصقص، الأستاذة في قسم تاريخ الفن بجامعة فكتوريا في كندا، دراسة معمقة عن فن خيال الظل في سوريا كتراث غير مادي، معتبرة إياه “أرشيفاً حياً” يعكس تحولات المجتمع السوري وتطلعاته وهمومه من خلال دمى “كراكوز” و”عواظ”.

وأشارت إلى التحديات التي تواجه حفظ هذا التراث، لا سيما فقدان الكثير من نصوصه أو نقلها مبتورة عن سياقاتها، مؤكدة أن “الدراسات الأكاديمية منذ القرن التاسع عشر لم تنجح في حفظ هذا الكنز الثقافي”.

وبيّنت أنها أجرت من خلال عملها الميداني مقارنات للنصوص المتبقية ضمن مجموعات متحفية في قصر العظم، بهدف إعادة الصلة العضوية بين النص والأداء، وفهم السياقات الثقافية والاجتماعية التي أنتجت هذا الفن.

كما طرحت الدكتورة قصقص تصوراً طموحاً لإنشاء متحف تفاعلي مخصص لفن خيال الظل، يهدف إلى حفظ هذا الفن بطريقة علمية تضمن استمراره للأجيال القادمة، وفي ذات الوقت تتيح للشباب فرصة التفاعل معه بطريقة حديثة.

ويضم هذا المشروع في رؤيته إنشاء مركز بحثي متخصص في الدراسات التراثية، إضافة إلى تقديم عروض حية تحافظ على الأصالة وتواكب التقنيات الحديثة.

من جهته، شدد رئيس جمعية “سوريون من أجل التراث” خالد الفحام على “أهمية تطوير استراتيجية وطنية شاملة للحفاظ على التراث العمراني، تستند إلى شراكة حقيقية بين كافة الجهات المعنية، من مؤسسات حكومية ومنظمات أهلية ومجتمعات محلية”.

وأكد على أهمية الحفاظ على نظام الري التقليدي في دمشق كنموذج حي للتفاعل بين التراث الثقافي والبيئي، مشيراً إلى أن “قنوات بردى التاريخية تمثل نظاماً هندسياً فريداً في إدارة الموارد المائية”.

في مداخلة لها، تحدثت الباحثة سندس عمر حميدي، عضو في “إيكونوموس سوريا”، عن سبل توظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة مخاطر التراث، وأوضحت أن “الرقمنة يمكن أن تلعب دوراً محورياً في أرشفة النصوص الباهتة وترميمها آلياً، إلى جانب إسهام المتاحف الافتراضية بتقنية الواقع الافتراضي في إتاحة زيارة المواقع الأثرية بطريقة حديثة”، مشير إلى أهمية تحليل البيانات في التنبؤ بالمخاطر، والفحص البصري الآلي الذي يُمكّن من كشف عيوب المباني التراثية بدقة عالية.

وتحدثت حميدي أيضاً عن إمكانية تطوير أنظمة إنذار مبكر لحماية المواقع الأثرية من الأخطار المحتملة، إلى جانب إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد للمواقع، وتطوير حلول ترميم دقيقة تعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والهندسة الرقمية.

اختتمت الندوة بجلسة حوار تشاركية أدارها المهندس محمد خير البارودي، أعقبتها جلسة نقاشية برئاسة الدكتور المهندس محمد دغمان، عضو مجلس إدارة “إيكونوموس سوريا”، جرى خلالها تكريم المشاركين الذين شددوا على أن حماية التراث السوري مسؤولية وطنية ودولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود لضمان انتقال الإرث الحضاري للأجيال القادمة بأصالته وغناه وتنوعه.

وخرجت الندوة بعدة توصيات أبرزها ضرورة تطوير إطار عمل وطني يجمع بين الحفظ العلمي للتراث والاستثمار المستدام في المواقع التاريخية، إلى جانب التأكيد على أهمية تعزيز المشاركة المجتمعية وتوظيف التقنيات الحديثة، وبناء شراكات دولية فاعلة تسهم في حماية التراث السوري وصونه.

شارك